تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

الغل : الأخذ خِفية كالسرقة ، يقال غلّ فلان الغنيمة يغُل غلولاً ، وأغل إغلالا ، خان فيها ، وأخذ شيئا منها خفية .

تُوفّى : تعطى .

روي أن هذه الآية نزلت يوم أحد عندما ترك الرماة موقعهم على الجبل طلباً للغنيمة ، إذ قالوا : نخشى أن يقول النبي : مَن أخذ شيئاً فهو له ، وأن لا يقسم الغنائم كما قسمها يوم بدر . فقال لهم الرسول : ألم أعهد إليكم ألا تتركوا موضعكم حتى يأتيكم أمري ؟ فأجابوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا . فقال لهم : بل ظننتم أنا نغلّ ولا نقسم .

وكان بعض المنافقين قد أشاعوا أن الغنائم يوم بدر قد اختفت ، واتهموا الرسول الكريم أنه أخفاها . فكذّبهم الله . والمعنى هنا : لا يجوز لنبي أن يخون في الغنائم ، لأن النبوة أساسها الأمانة . وفي هذا نفي الخيانة عن جميع الأنبياء . لقد عصمهم الله من الغلول والخيانة ، لأن النبوة أعلى المناصب الإنسانية ، فصاحبُها معصوم عن كل ما فيه دناءة وخسة . أما الناس فقد يقع منهم ذلك ، فمن فعله أتى بما غل به يوم القيامة ، ليفتضَح فيه أمره ويزيد به عذابه .

{ ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يومذاك تعطى كل نفس جزاء ما عملت وافيا تاما ، لا تلقى ظلماً بنقصان في الثواب أو زيادة في العقاب .

روى عبد الله بن أحمد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والغُلول ، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ، أَدُّوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك ، وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد ، في الحضر والسفر ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة . إنه لَينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم . وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ، ولا تأخذْكم في الله لومةُ لائم .

وهناك أحاديث كثرة في هذا الموضوع .

وقد علمتْ هذه الآية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية السلف الصالح من المسلمين حتى أتوا بالعجب العجاب :

حُملت الغنائم إلى عمر بن الخطاب بعد القادسية ، وفيها تاج كسرى وإيوانه لا يقوَّمان بثمن ، فنظرَ رضي الله عنه إلى ما أدَّاه الجندُ في غبطة وقال : «إن قوماً أدوا هذا لأمِيرهم لأمناء » .

قراءات :

قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب : «أن يُغَل » على البناء للمفعول ، والمعنى على هذه القراءة ما صح لنبي أن ينسب إلى الغلول أو يخونه أحد ، أما عند قراءاتها «يغُل » بفتح الياء وضم الغين فالمعنى المقصود أن يخون في الغنائم .