معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

قوله تعالى : { ولا تصعر خدك للناس } قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ولا تصعر بتشديد العين من غير ألف ، وقرأ الآخرون : تصاعر بالألف ، يقال : صعر وجهه وصاعر : إذا مال وأعرض تكبراً ، ورجل أصعر : أي : مائل العنق . قال ابن عباس : يقول : لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه . وقال عكرمة : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبراً . وقال الربيع بن أنس وقتادة : ولا تحقرن الفقراء ليكن الفقر والغني عندك سواء ، { ولا تمش في الأرض مرحاً } خيلاء تكبرا{ إن الله لا يحب كل مختال } في مشيه { فخور } على الناس .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

ثم نهاه عن التكبر والغرور والتالى على الناس فقال : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } .

والصعر فى الأصل : مرض يصب البعير فيجعله معوج العنق ، والمراد به هنا ، التكبر واحتقار الناس ، ومنه قولا الشاعر :

وكنا إذا الجبَّر صعر خده . . . مشينا إليه بالسيوف نعاتبه

أى : ولا تمل صفحة وجهك عن الناس ، ولا تتعالى عليهم كما يفعل المتكبرون والمغرورون ، بل كن هينا لينا متواضعا ، كما هو شأن العقلاء . .

{ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً } أى : ولا تمش فى الأرض مشية المختالين المعجبين بأنفسهم . و { مَرَحاً } مصدر وقع موقع الحال على سبيل المبالغة ، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف . أى : تمرح مرحا . والجملة فى موضع الحال . أو مفعول لأجله . أى : من أجل المرح .

وقوله : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } تعليل لنهى . والمختال : المتكبر الذى يختال فى مشيته ، ومنه قولهم : فلان يمشى الخيلاء ، أى يمشى مشية المغرور المعجب بنفسه .

والفخور : المتباهى على الناس بماله أو جاهة أو منصبه . . يقال فخر فلان - كمنع - فهو فاخر وفخور ، إذا تفاخر بما عنده على الناس ، على سبيل التطاول عليهم ، والتنقيص من شأنهم .

أى : إن الله - تعالى - لا يحب من كان متكبرا على الناس ، متفاخرا بماله أو جاهه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

ويستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى أدب الداعية إلى الله . فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس ؛ والتطاول عليهم باسم قيادتهم إلى الخير . ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل :

( ولا تصعر خدك للناس ، ولا تمش في الأرض مرحا . إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) . .

والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها . والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر . حركة الكبر والازورار ، وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار !

والمشي في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلة مبالاة بالناس . وهي حركة كريهة يمقتها الله ويمقتها الخلق . وهي تعبير عن شعور مريض بالذات ، يتنفس في مشية الخيلاء ! ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

وقوله : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول : لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ، احتقارًا منك لهم ، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك ، وابسط وجهك إليهم ، كما جاء في الحديث : " ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط ، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المِخيلَة ، والمخيلة لا يحبها الله " .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول : لا تتكبر فتحقِرَ{[22964]} عبادَ الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وكذا روى العوفي وعكرمة عنه .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } : لا تكَلَّم وأنت معرض . وكذا رُوي عن مجاهد ، وعِكْرِمة ، ويزيد بن الأصم ، وأبي الجوزاء ، وسعيد بن جُبَيْر ، والضحاك ، وابن يزيد ، وغيرهم .

وقال إبراهيم النَّخعِي : يعني بذلك : التشديق في الكلام .

والصواب القول الأول .

قال ابن جرير : وأصل الصَّعَر : داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها ، حتى تُلفَتَ{[22965]} أعناقُها عن رؤوسها ، فشبه به الرجل المتكبر ، ومنه قول عمرو بن حُني التَّغْلبي :

وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعّر خَدّه *** أقَمْنَا لَه مِنْ مَيْلِه فَتَقَوّمَا{[22966]}

وقال أبو طالب في شعره :

وَكُنَّا قَديمًا لا نقرُّ ظُلامَة *** إذا ما ثَنوا صُعْر الرؤوس نُقِيمها {[22967]}

وقوله : { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي : جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : مختال معجب في نفسه ، فخور : أي على غيره ، وقال تعالى : {[22968]} { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا } [ الإسراء : 37 ] ، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى{[22969]} عن ثابت بن قيس بن شَمَّاس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه ، فقال : " إن الله لا يحب كل مختال فخو " . فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ، ويعجبني شِراك نعلي ، وعِلاقة سَوْطي ، فقال : " ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تَسْفه الحق وتَغْمِط{[22970]} الناس " {[22971]} .

ورواه من طريق أخرى بمثله ، وفيه قصة طويلة ، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته{[22972]} .

/خ19


[22964]:- في ت، أ: "فتحتقر".
[22965]:- في ت: "تلتفت" وفي أ: "بلغت".
[22966]:- البيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة (2/127).
[22967]:- البيت في السيرة النبوية لابن هشام (1/269).
[22968]:- في أ: "وقد قال الله تعالى"
[22969]:- في ت: "وروى الطبراني بإسناده".
[22970]:- في ت، ف: "تغمص".
[22971]:- المعجم الكبير (2/69) وفيه انقطاع بين ابن أبي ليلى وثابت.
[22972]:- المعجم الكبير (2/70) من طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عطاء، عن بنت ثابت بقصة أبيها، وقال الهيثمي في المجمع (9/322): "وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلا تُصَعّرْ فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين : ولا تصعر على مثال تفعل . وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة : «وَلا تُصَاعِرْ » على مثال تفاعل .

والصواب من القول في ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وتأويل الكلام : ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها ، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس ، ومنه قول عمرو بن حُنَيَ الثّعلبِيّ :

وكُنّا إذَا الجَبّارُ صَعّرَ خَدّهُ *** أقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوّما

واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول : ولا تتكبر فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا تُصَعّرْ قال : الصدود والإعراض بالوجه عن الناس .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد في هذه الاَية وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : إذا كلمك الإنسان لويت وجهك ، وأعرضت عنه محقرة له .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن ميمون بن مهران ، قال : هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه .

حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : حدثنا أبو مكين ، عن عكرمة ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : لا تُعْرض بوجهك .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول : لا تعرض عن الناس ، يقول : أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : تصعير الخدّ : التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة ، قال : الإعراض .

وقال آخرون : إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر ، لا على وجه التكبر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة ، فيراه فيعرض عنه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس قال : هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه .

وقال آخرون : هو التشديق . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن جعفر الرازي ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو التشديق .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو التشديق أو التشدّق «الطبري يشكّ » .

حدثنا يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم بمثله .

وقوله وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا يقول : ولا تمش في الأرض مختالاً . كما :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول فِي قوله وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا يقول : بالخيلاء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ ولا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال : نهاه عن التكبر .

وقوله إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ متكبر ذي فخر . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال : متكبر . وقوله : فخور : قال : يعدّد ما أعطى الله ، وهو لا يشكر الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

{ ولا تصعر خدك للناس } لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه . وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي " ولا تصاعر " ، وقرئ " ولا تصعر " والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه . { ولا تمش في الأرض مرحا } أي فرحا مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر . { إن الله لا يحب كل مختال فخور } علة للنهي وتأخير ال{ فخور } وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحا لتوافق رؤوس الآي .