فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

{ ولا تصعر خدك للناس } وقرئ تصاعر ، والمعنى متقارب ، لكل منهما في خط المصحف الإمام بلا ألف ، والصعر : الميل ، يقال : صعر خده : وصاعر خده : إذا أمال وجهه ، وأعرض تكبرا ، والمعنى ، لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم ، وبه قال الهروي ، يقال : أصاب البعير صعر : إذا أصابه داء يلوي عنقه وقيل : المعنى : لا تلو شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره ، وقال ابن خواز منداد : كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ، ولعله فهم من التصعير التذلل .

وعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله : ولا تصعر خدك فقال لي : " الشدق " أخرجه الطبراني . وابن عدي وابن مردويه وقال ابن عباس : لا تتكبر فتحتقر عباد الله ، وتعرض عنهم إذا كلموك وعنه قال : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر ، والمعنى : أقبل على الناس بوجهك تواضعا ، ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المستكبرون ، بل يكون الفقير والغني عندك سواء .

{ ولا تمش في الأرض مرحا } أي : خيلاء وفرحا ، والمراد : النهي عن التكبر والتجبر ، والمختال يمرح في مشيه ، وقد تقدم تحقيقه { إن الله لا يحب كل مختال فخور } تعليل للنهي المذكور ، لأن الاختيال هو المرح ، والفخور هو الذي يفتخر على الناس بماله من المال والشرف ، أو القوة أو يعدد مناقبه تطاولا ، أو غير ذلك ويظن أن إسباغ النعم الدنيوية عليه من محبة الله له وذلك من جهله ، فإن الله أسبغ نعمه على الكافر الجاحد ، فينبغي للعارف أن لا يتكبر على عباده ، وليس منه التحديث بنعم الله فإن الله يقول : { وأما بنعمة ربك فحدث } .