فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

{ وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } قرأ الجمهور : { تصعّر } ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم : " تصاعر " والمعنى متقارب . والصعر : الميل ، يقال : صعر خدّه وصاعر خدّه : إذا أمال وجهه ، وأعرض تكبراً . والمعنى : لا تعرض عن الناس تكبراً عليهم ، ومنه قول الشاعر :

وكنا إذا الجبار صعر خدّه *** مشينا إليه بالسيوف نعاتبه

ورواه ابن جرير هكذا :

وكنا إذا الجبار صعر خدّه *** أقمنا له من ميله فتقوّما

قال الهروي : { وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي لا تعرض عنهم تكبراً ، يقال : أصاب البعير صعر : إذا أصابه داء يلوي عنقه . وقيل المعنى : ولا تلو شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره . وقال ابن خويز منداد : كأنه نهى أن يذلّ الإنسان نفسه من غير حاجة ، ولعله فهم من التصعير التذلل { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا } أي خيلاء وفرحاً ، والمعنى : النهي عن التكبر والتجبر ، والمختال يمرح في مشيه ، وهو مصدر في موضع الحال ، وقد تقدّم تحقيقه ، وجملة { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } تعليل للنهي لأن الاختيال هو المرح ، والفخور هو الذي يفتخر على الناس بما له من المال أو الشرف أو القوّة أو غير ذلك ، وليس منه التحدّث بنعم الله ، فإن الله يقول : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ } [ الضحى : 11 ] .

/خ19