معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

قوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } . أي لطلب رضاء الله تعالى .

قوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } . روي عن ابن عباس والضحاك : أن هذه الآية نزلت في سرية الرجيع ، وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ، إنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفراً من علماء أصحابك يعلموننا دينك ، وكان ذلك مكراً منهم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدي الأنصاري ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي ، وخالد بن بكير ، وعبد الله بن طارق بن شهاب البلوي ، وزيد بن الدثنة ، وأمر عليهم عاصم ابن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري .

قال أبو هريرة : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري ، فساروا فنزلوا ببطن مكة والمدينة ومعهم تمر عجوة فأكلوا فمرت عجوز فأبصرت النوى فرجعت إلى قومها بمكة وقالت : قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فركب سبعون رجلاً ، منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فتبعوهم بقريب من مائة رجل رام فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا : تمر يثرب ، فاتبعوا آثارهم ، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد ، فأحاط بهم القوم فقتلوا مرثدا ، ً وخالداً وعبد الله بن طارق ، ونثر عاصم بن ثابت كنانته وفيها سبعة أسهم ، فقتل بكل سهم رجلاً من عظماء المشركين ثم قال : اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحك لحمي آخر النهار ، ثم أحاط به المشركون فقتلوه ، فلما قتلوه أرادوا حز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد ، لئن قدرت على رأس عاصم لتشرين في قحفه الخمر ، فأرسل الله رجلاً من الدبر ، وهي الزنابير ، فحمت عاصماً فلم يقدروا عليه فسمي حمي الدبر ، فقالوا دعوه حتى تمسي فتذهب عنه فنأخذه فجاءت سحابة سوداء وأمطرت مطراً كالعزالي ، فيعث الله الوادي غديراً فاحتمل عاصماً به فذهب به إلى الجنة ، وحمل خمسين من المشركين إلى النار .

وكان عاصم قد أعطى الله تعالى عهداً أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يقول : عجباً لحفظ الله المؤمن . أن عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع عاصم في حياته . وأسر المشركون خبيب بن عدي الأنصاري ، وزيد بن الدثنة ، فذهبوا بهما إلى مكة ، فأما خبيب فابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لقتلوه بأبيهم ، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا على قتله . فاستعار من بنات الحارث موسى ليستحد بها فأعارته ، فدرج بني لها وهي غافلة فما راع المرأة إلا خبيب قد أجلس الصبي على فخذه ، والموسى بيده ، فصاحت المرأة فقال خبيب : أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك ، إن الغدر ليس من شأننا ، فقالت المرأة بعد : والله ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب ، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد ، وما بمكة من ثمرة ، إن كان إلا رزقاً رزقه الله خبيباً ، ثم إنهم خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل وأرادوا أن يصلبوه ، فقال لهم خبيب : دعوني أصلي ركعتين ؟ فتركوه فكان خبيب هو أول من سن لكل مسلم قتل صبراً الصلاة ، فركع ركعتين ، ثم قال : لولا أن يحسبوا أن ما بي جزع لزدت ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً ثم أنشأ يقول :

فلست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أي شق كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع

فصلبوه حياً ، فقال اللهم : إنك تعلم أنه ليس أحد حولي يبلغ سلامي رسولك فأبلغه سلامي ، ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحرث فقتله . ويقال : كان رجل من المشركين يقال له ، سلامان أبو ميسرة ، معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب ، فقال له خبيب : اتق الله فما زاده ذلك إلا عتواً فطعنه ، فأنفذه وذلك قوله عز وجل ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) يعني سلامان .

وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف ، فبعثه مع مولى له يسمى نسطاس إلى التنعيم ليقتله بأبيه ، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب ، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً عندنا الآن بمكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ فقال : والله ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه يصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي . فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً يحب أصحاب محمد محمداً ، ثم قتله نسطاس . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال لأصحابه " أيكم ينزل خبيباً عن خشبته وله الجنة ؟ فقال الزبير : أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود ، فخرجا يمشيان بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلاً ، وإذا حول الخشبة أربعون رجلاً من المشركين نائمون نشاوى ، فأنزلاه فإذا هو رطب ينثي لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوماً ، ويده على جراحته وهي تبض دماً ، اللون لون دم والريح ريح المسك ، فحمله الزبير على فرسه وساروا ، فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيباً ، فأخبروا قريشاً ، فركب منهم سبعون ، فلما لحقوهم قذف الزبير خبيباً فابتلعته الأرض ، فسمي بليع الأرض . فقال الزبير : ما جرأكم علينا يا معشر قريش ؟ ثم رفع العمامة عن رأسه وقال : أنا الزبير بن العوام ، وأمي صفية بنت عبد المطلب ، وصاحبي المقداد بن الأسود ، أسدان رابضان يدفعان عن شبليهما فإن شئتم ناضلتكم ، وإن شئتم نازلتكم ، وإن شئتم انصرفتم ، فانصروا إلى مكة ، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده فقال يا محمد : إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك ، فنزل في الزبير والمقداد بن الأسود ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) حين شريا أنفسهما لإنزال خبيب عن خشبته .

وقال أكثر المفسرين : نزلت في صهيب بن سنان الرومي حين أخذه المشركون في رهط من المؤمنين فعذبوهم ، فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير ، لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ؟ ففعلوا ، وكان شرط عليهم راحلة ونفقة ، فأقام بمكة ما شاء الله ثم خرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك يا أبا يحيى ، فقال له صهيب : وبيعك فلا تتحسر ، قال صهيب : ما لي ؟ فقال : قد أنزل الله فيك ، وقرأ هذه الآية . وقال سعيد بن المسيب وعطاء : أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من مشركي قريش ، فنزل عن راحلته ونثل ما كان في كنانته ، ثم قال : يا معشر قريش ، لقد علمتم أني لمن أرماكم رجلاً ، والله لا أضع سهماً مما في كنانتي إلا في قلب رجل منكم ، وايم الله ! لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي ، قالوا : نعم . ففعل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال الحسن : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ؟ نزلت في المسلم ، يلقى الكافر فيقول له قل : لا إله إلا الله ، فيأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله . فتقدم فقاتل وحده حتى قتل . وقيل نزلت الآية في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .

قال ابن عباس : أرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، يقوم فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل ، وأخذته العزة بالإثم ، قال : وأنا أشري نفسي لله فقاتله فاقتتل الرجلان لذلك . . وكان علي إذا قرأ هذه الآية يقول : اقتتلا ورب الكعبة ، وقال أبو الخليل : سمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه الآية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) فقال عمر ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد أخبرني حماد بن سلمه عن أبي غالب عن أبي أمامه أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الجهاد أفضل ؟ قال : أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

أما النوع الثاني من الناس وهم الأخيار الصادقون فقد عبر عنهم القرآن بقوله- تعالى - : { وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله والله رَؤُوفٌ بالعباد }

{ مَن يَشْرِي } أي : يبيعها ببذلها في طاعة الله وإعلاء كلمته ، وتحقيقه أن المكلف قد بذل نفسه بمعنى أنه أطاع الله - تعالى - وحافظ على فرائضه ، وجاهد في سبيله ، من أجل أن ينال ثواب الله ومرضاته ، فكان ما بذله من طاعات بمثابة السلعة ، وكان هو بمنزلة البائع ، وكان قبول الله - تعالى - منه ذلك وإثابتهخ عليه في معنى الشراء .

وقوله : { ابتغآء مَرْضَاتِ الله } الابتغاء الطلب الشديد للشيء ، والرغبة القوية في الحصول عليه ، وهو في الآية مفعول لأجله .

أي : ومن الناس نوع آخر قد باع نفسه وبذلها في طاعة الله طلباً لرضوانه ، وأملا في مثوبته وغفرانه .

فهذالنوع التقي المخلص من الناس ، يقابل النوع المنافق المفسد الذي سبق الحديث عنه .

قال بعضهم : وكان مقتضى هذه المقابلة أن يوصف هذا الفريق الثاني بالعمل الصالح مع عدم التعويض والتبجح بالقول ، أو مع مطابقة قوله لعمله وموافقة لسانه لما في قلبه . والآية قد تضمنت هذا الوصف وإن لم تنطق به ، فإن من يبيع نفسه لله لا يبغى ثمناً لها سوى مرضاته لا يتحرى إلا العمل الصالح وقول الحق مع الإِخلاص في القلب فلا يتكلم بلسانين ولا يقابل الناس بوجهين . ويكون هو المؤمن الذي يعتد القرآن بإيمانه " .

وقال أحد العلماء : ومرضاة مصدر ميمي بمعنى الرضا . ولا شك أن التعبير بالمصدر الميمي دون المصدر الأصلي له معنى يدركه السامع بذوقه ، ولم نجد النحويين ولا البلاغيين تعرضوا لبيان التفرقة بين المصدر الميمي وغيره والذي يتبدى لنا ونظنه تفرقة بينهما ، أن المصدر الميمي يصور المعنى المصدري واقعاً قائماً متحققاً في الوجود ، أما المصدر غير الميمي فيصور المعنى مجرداً فإذا كانت كلمة مقال بمعنى القول ، فإن التعبير بالقول يصور معنى مجرداً من غير نظر إلى كونه تحقق وجوده أولا . أما كلمة مقال فتصور معنى وجد وتحقق ، أو في صورة الموجود المتحقق ، وعلى ذلك { ابتغآء مَرْضَاتِ الله والله } أنهم يبيعون أنفسهم طالبين طلباً موثقاً رضا الله - سبحانه - حقيقة واقعة مؤكدة ، ويتصورون رضاه - سبحانه - حقيقة قائمة قد حلت بهم ، فيشتد طلبهم وافتداؤهم للحق بأموالهم وأنفسهم " .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله - : { والله رَؤُوفٌ بالعباد } أي ، رفيق رحيم بهم ، ومن مظاهر ذلك أنه لم يبكلفهم بما هو فوق طاقتهم ، وإنما كلفهم بما تطيقه نفوسهم ، وأنه أسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة في الدنيا مع تقصيرهم فيما أمرهم به أو نهاهم عنه ، وأنه كافأهم بالنعيم المقيم على العمل القليل ، وأنه جعل العاقبة للمتقين لا للمفسدين ، إلى غير ذلك من مظاهر رأفته التي لا تحصى .

هذا ، وقد أورد المفسرون روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية منها أنها نزلت في صهيب بن سنان الرومي ، وذلك لأنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه المشركون أن يهاجر بماله ، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر أذنوا له ، فنخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية . فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له : ربح البيع يا صهيب ، فقال لهم وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك ؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية . ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له عندما رآه : " ربح البيع ، ربح البيع " مرتين .

وهناك روايات أنها نزلت في وفي عمار بن ياسر وفي خباب بن الأرت وفي غيرهم من المؤمنين المجاهدين .

والذي نراه - كما سبق أن بينا - أن الآية الكريمة تتناول كل من أطاع الله - تعالى - وبذل نفسه في سبيل إعلاء كلمته ، ويدخل في ذلك دخولا أولياً من نزلت فيهم الآية ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يرى جمهور العلماء .

وبذلك نرى أن الآيات قد بينت لنا نوعين من الناس : أحدهما خاسر ، والآخر رابح ، لكي نتبع طريق الرابحين ، ونهجر طريق الخاسرين ( وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }

يعني جل ثناؤه : ومن الناس من يبيع نفسه بما وعد الله المجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بأنّ لَهُمُ الجَنّةَ وقد دللنا على أن معنى شرى باع في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فإنه يعني أن هذا الشاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة الله . ونصب «ابتغاء » بقوله «يشري » ، فكأنه قال : ومن الناس من يشري من أجل ابتغاء مرضاة الله ، ثم ترك «من أجل » وعمل فيه الفعل . وقد زعم بعض أهل العربية أنه نصب ذلك على الفعل على يشري كأنه قال : لابتغاء مرضاة الله ، فلما نزع اللام عمل الفعل . قال : ومثله : حَذَر المَوتِ وقال الشاعر وهو حاتم :

وأغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَريم ادّخارَهُ *** وأُعْرضُ عَنْ قَوْل اللّئِيم تَكَرّما

وقال : لما أذهب اللام أعمل فيه الفعل .

وقال بعضهم : أيما مصدر وضع موضع الشرط وموضع «أن » فتحسن فيها الباء واللام ، فتقول : أتيتك من خوف الشرّ ، ولخوف الشرّ ، وبأن خفت الشرّ فالصفة غير معلومة ، فحذفت وأقيم المصدر مُقامها . قال : ولو كانت الصفة حرفا واحدا بعينه لم يجز حذفها كما غير جائز لمن قال : فعلت هذا لك ولفلان ، أن يسقط اللام .

ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه ومن عنى بها ، فقال بعضهم : نزلت في المهاجرين والأنصار ، وعنى بها المجاهدون في سبيل الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ قال : المهاجرون والأنصار .

وقال بعضهم : نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ قال : نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذرّ الغفاريّ جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذرّ أبا ذرّ ، فانفلت منهم ، فقدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع مهاجرا عرضوا له ، وكانوا بمر الظهران ، فانفلت أيضا حتى قدم على النبيّ عليه الصلاة والسلام . وأما صهيب فأخذه أهله ، فافتدى منهم بماله ، ثم خرج مهاجرا فأدركه منقذ بن عمير بن جدعان ، فخرج له مما بقي من ماله ، وخلى سبيله .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ الآية ، قال : كان رجل من أهل مكة أسلم ، فأراد أن يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلى المدينة ، فمنعوه وحبسوه ، فقال لهم : أعطيكم داري ومالي وما كان لي من شيء فخلوا عنى فألحق بهذا الرجل فأبوا . ثم إن بعضهم قال لهم : خذوا منه ما كان له من شيء وخلوا عنه ففعلوا ، فأعطاهم داره وماله ، ثم خرج فأنزل الله عز وجل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ الآية فلما دنا من المدينة تلقاه عمر في رجال ، فقال له عمر : ربح البيع ، قال : وبيعك فلا يخسر ، قال : وما ذاك ؟ قال : أنزل فيك كذا وكذا .

وقال آخرون : بل عنى بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيله أو أمر بمعروف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا حسين بن الحسن أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو عون ، عن محمد ، قال : حمل هشام بن عامر على الصفّ حتى خرقه ، فقالوا : ألقى بيده ، فقال أبو هريرة : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة ، قال : بعث عمر جيشا فحاصروا أهل حصن ، وتقدم رجل من بجيلة ، فقاتل ، فقتل ، فأكثر الناس فيه يقولون : ألقى بيده إلى التهلكة . قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : كذبوا ، أليس الله عز وجل يقول : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ واللّه رَءُوفٌ بالعِبادِ ؟ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، قال : حمل هشام بن عامر على الصفّ حتى شقه ، فقال أبو هريرة : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ .

حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا حزام بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن قرأ : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بالعِبادِ أتدرون فيم أنزلت ؟ نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له : قل لا إله إلا الله ، فإذا قلتها عصمت دمك ومالك إلا بحقهما . فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرينّ نفسي لله . فتقدّم فقاتل حتى قتل .

حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زياد بن أبي مسلم ، عن أبي الخليل ، قال : سمع عمر إنسانا قرأ هذه الآية : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ الله قال : استرجع عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .

والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل ، ما روي عن عمر بن الخطاب وعن عليّ بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ، من أن يكون عنى بها الاَمر بالمعروف والناهي عن المنكر . وذلك أن الله جل ثناؤه وصف صفة فريقين : أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه وإذا اقتدر على معصية الله ركبها وإذا لم يقتدر رامها وإذا نهي أخذته العزّة بالإثم بما هو به آثم ، والاَخر منهما بائع نفسه طالب من الله رضا الله . فكان الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه ، إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله . فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية .

وأما ما رُوي من نزول الآية في أمر صهيب ، فإن ذلك غير مستنكر ، إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب ، والمعنّي بها كل من شمله ظاهرها .

فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز ذكره وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته ، فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل ، فمعنيّ بقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ، في جهاد عدوّ المسلمين كان ذلك منه أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ رَءُوفٌ بالعِباد .

قد دللنا فيما مضى على معنى الرأفة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأنها رقة الرحمة فمعنى ذلك : والله ذو رحمة واسعة بعبده الذي يشري نفسه له في جهاد من حادّه في أمره من أهل الشرك والفسوق وبغيره من عباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم ، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا ، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ( 207 )

وقوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه } الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر ، والظاهر من هذا التقسيم( {[1937]} ) أن تكون الآيات قبل هذه على العموم في الكافر بدليل الوعيد بالنار ويأخذ العصاة الذين فيهم شيء من هذا الخلق بحظهم من وعيد الآية ، ومن قال إن الآيات المتقدمة هي في منافقين تكلموا في غزوة الرجيع( {[1938]} ) قال : هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع ، ومن قال تلك في الأخنس قال : هذه في الأنصار والمهاجرين المبادرين إلى الإيمان .

وقال عكرمة وغيره : هذه في طائفة من المهاجرين ، وذكروا حديث صهيب أنه خرج من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعته قريش لترده ، فنثر كنانته ، وقال لهم : تعلمون والله إني لمن أرماكم رجلاً ، والله لأرمينَّكم ما بقي لي سهم ، ثم لأضربن بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، فقالوا له : لا نتركك تذهب عنا غنياً وقد جئتنا صعلوكاً ، ولكن دلنا على مالك ونتركك ، فدلهم على ماله وتركوه ، فهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال له : «ربح البيع أبا يحيى » ، فنزلت فيه هذه الآية( {[1939]} ) ، ومن قال قصد بالأول العموم قال في هذه كذلك بالعموم ، و { يشري } معناه يبيع ، ومنه { وشروه بثمن بخس }( {[1940]} ) [ يوسف : 20 ] ، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري : [ مجزوء الكامل ]

وَشَريْتُ برداً لَيْتَنِي . . . مِنْ بَعْدِ برْدٍ كُنْتَ هَامَه( {[1941]} )

وقال الآخر : [ الكامل ]

يعطى بها ثمناً فَيَمْنَعُها . . . وَيَقُولُ صَاحِبُهُ أَلاَ تَشْرِي( {[1942]} )

ومن هذا تسمى الشراة( {[1943]} ) كأنهم الذين باعوا أنفسهم من الله تعالى ، وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى ، ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب ، لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها ، اللهم إلا أن يقال إن عزم صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع .

وتأول هذه الآية عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم في مغيري المنكر ، ولذلك قال علي وابن عباس : اقتتل الرجلان ، أي قال المغير للمفسد : اتق الله ، فأبى المفسد وأخذته العزة ، فشرى المغير نفسه من الله تعالى وقاتله فاقتتلا .

وروي أن عمر بن الخطاب كان يجمع في يوم الجمعة شباباً من القرأة فيهم ابن عباس والحر بن قيس وغيرهما فيقرؤون بين يديه ومعه ، فسمع عمر ابن عباس رضي الله عنهم يقول : اقتتل الرجلان ، حين قرأ هذه الآية ، فسأله عما قال ، ففسر له هذا التفسير ، فقال له عمر : «لله تلادك( {[1944]} ) يا ابن عباس » .

وقال أبو هريرة وأبو أيوب حين حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقال قوم : ألقى بيده إلى التهلكة ، ليس كما قالوا ، بل هذا قول الله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه } الآية( {[1945]} ) .

و { ابتغاء } مفعول من أجله ، ووقف حمزة على { مرضاة } بالتاء والباقون بالهاء . قال أبو علي : «وجه وقف حمزة بالتاء إما أنه على لغة من يقول طلحت وعلقمت ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت( {[1946]} ) . . . وإما أنه لما كان المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما تثبت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد .

وقوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما في قوله تعالى : { فحسبه جهنم } تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية .


[1937]:- قد تسعمل (الواو) في الكلام بمعنى التقسيم نحو: الكلمة اسم وفعل وحرف، والتقسيم هنا قوله تعالى قبل: [ومن الناس من يعجبك قوله] الآية وقوله تعالى بعد: [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله] ولا يبعد أن يكون السبب خاصا والمراد عموم اللفظ.
[1938]:- غزوة الرجيع كانت بعد غزوة (أحد) في صفر سنة أربع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية تتألف من عشرة أنفس وأمر عليها عاصم بن ثابت الأنصاري، والغرض منها معرفة أخبار قريش، فلما كانوا في الطريق لحقهم بنو لحيان من هذيل فقتلوا منهم سبعة أحدهم عاصم بن ثابت، وأسروا الباقين وهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدثِنة بكسر المثلثة، وعبد الله بن طارق، فأما عبد الله فقتلوه في الحين لعدم استسلامه، وأما خبيب وزيد فباعوهما إلى قريش، وقتلت قريش خبيبا بعد أن صلى ركعتين وقال أبياته المشهورة: وَلَسْتُ أُبَالِي حِين أُقْتَلُ مُسْلِمــاً على أي جنب كانَ في الله مَصْرَعِي وذلك في ذاتِ الإله وإن يَشَــأ يُبَاركْ على أوْصال شِلْو مُمَــزَّع وخبيب الأنصاري هذا هو أول من سنّ الركعتين عند القتل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعاصم بن ثابت هذا هو الذي حمته الدبر أي جماعة النحل عندما أرسلت قريش من يقطع جسده فاجتمعت عليهم ذكور النحل ومنعتهم من القرب منه، رضي الله عنهم جميعا.
[1939]:- روى ذلك ابن جرير عن عكرمة، وابن مردويه عن أبي عثمان النهدي.
[1940]:- من الآية (20) من سورة (يوسف).
[1941]:- بُرْد: اسم غلام، وفيه أيضا قال الشاعر: وشرَيْتُ برداً ولولا ما تَكَنَّفَنِـي من الحوادث ما بِعتُه أبَـــداً
[1942]:- البيت للمسيب بن علس يصف الغائص وانتخابه الدّرة كما في شرح المقامات للشريسي، وقبل البيت: كجُمَـانَة البَحْريِّ جـاء بِهـا غوّاصُهَــا مِن لُجَّةِ البَحْــر نصف النهار الماءُ غَامِــرُهُ وشريكُـه بالغيبِ لا يَدــْري ومعنى: ألا تشري ؟ ألا تبيع ؟
[1943]:- الخوارج أو جماعة منهم سموا أنفسهم الشراة بمعنى أنهم باعوا أنفسهم من الله تعالى.
[1944]:- في لسان العرب من حديث عبد الله بن مسعود – آل حم من تلادي – أي من أول ما تعلمته بمكة. شبه ذلك بتلاد المال.
[1945]:- يعني أنها تتضمنه، وكثيرا ما يقولن: نزلت الآية في كذا، والمراد أنها تتضمنه وإن لم تكن قد نزلت فيه بالخصوص.
[1946]:- الحجفت: بتقديم الحاء على الجيم، وهي التُّرس إذا كان من الجلد، ومن العرب من إذا سكت على الهاء جعلها تاء. وقائل البيت سؤر الذئب – قاله يذكر محبوبته – وهو ضمن أبيات نذكرها لك: ما بالُ عَيْنٍ عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَـتْ وشَفَّهَا مِنْ حُزْنِهَا ما كُلِّفَـتْ  كــأنَّ عُوَّاراً بِها أو طَرَّفَــتْ مُسْبِلَـة تَسْتَنُّ لمَّا عـرفَـتْ  دارٌ لِلَيْلَـى بعْد حـوْلٍ قدْ عَفَـتْ كأنَّها مهارقٌ قد زُخْـرفَـتْ  قـد تَبَّلَتْ إذا المهَا تَخَـوَّفــت بلْ ظهْرُ تَيْهاءَ كظهرِ الحْجفَتْ  قطعتُهـا إذا المهَــا تخوَّفَـتْ مَثَـارها إلى ذارها أهْدَفَـتْ