مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (179)

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس } هم الكفار من الفريقين المعروضون عن تدبر آيات الله ، والله تعالى علم منهم اختيار الكفر فشاء منهم الكفر وخلق فيهم ذلك وجعل مصيرهم جهنم لذلك . ولا تنافي بين هذا وبين قوله { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] لأنه إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه يعبده ، وأما من علم أنه يكفر به فإنما خلقه لما علم أنه يكون منه . فالحاصل أن من علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة ، ومن علم منه أن يكون منه الكفر خلقه لذلك ، وكم من عامٍ يراد به الخصوص وقول المعتزلة بأن هذه لام العاقبة أي لما كان عاقبتهم جهنم جعل كأنهم خلقوا لها فراراً عن إرادة المعاصي عدول عن الظاهر { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } الحق ولا يتفكرون فيه { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } الرشد { وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا } الوعظ { أُوْلَئِكَ كالأنعام } في عدم الفقه والنظر الاعتبار والاستماع للتفكر { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأنهم كابروا العقول وعاندوا الرسول وارتكبوا الفضول ، فالأنعام تطلب منافعها وتهرب عن مضارها وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا النار ، وكيف يستوي المكلف المأمور والمخلى المعذور ؟ فالآدمي روحاني شهواني سماوي أرضي ، فإن غلب روحه هواه فاق ملائكة السماوات ، وإن غلب هواه روحه فاقته بهائم الأرض { أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون } الكاملون في الغفلة .