لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (179)

مَنْ خَلَقه لجهنم - متى يستوجب الجنَّاتِ ؟

ومَنْ أَهَّلَه للسخطة - أنَّى يستحق الرضوان ؟

ولولا انسداد البصائر وإلا فأيُّ إشكالٍ بقي بعد هذا الإيضاح ؟

ويقال هم - اليومَ - في جحيم الجحود ، مُقَرَّنين في أصفاد الخذلان ، مُلْبَسِين ثياب الحرمان ، طعامُهم ضريع الوحشة ، وشرابهم حميم الفرقة ، وغداً هُمْ في جحيم الحرقة كما فَصَّلَ في الكتاب شرعَ تلك الحالة .

قوله جلّ ذكره : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ } .

أي لا يفقهون معاني الخطاب كما يفهم المُحَدَّثون ، وليس لهم تمييز بين خواطر الحق وبين هواجس النفس ووساوس الشيطان ، ولهم أعينٌ لا يُبْصِرون بها شواهدَ التوحيد وعلاماتِ اليقين ؛ فلا ينظرون إلا من حيث الغفلة ، ولا يسمعون إلا دواعي الفتنة ، ولا ينخرطون إلا مع من سلك ركوب الشهوة .

{ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } : لأنَّ الأَنْعَامَ قد رُفِعَ عنها التكليفُ ، وإن لم يكن لها وِفاقُ الشرع فليس منها أيضاً خلاف الأمر .

والأنعامُ لا يَهُمُّها إلا الاعتلاف ، وما تدعو الحيلة من مباشرة الجنس ، فكذلك مَنْ أُقيم بشواهد نفسه وكان من المربوطين بأحكام النَّفْس ، وفي معناه أنشدوا :

نهارك يا مغرورُ سَهْوٌ وغفلةٌ *** وليلك نومٌ والرَّدى لك لازِمٌ

وسعيك فيها سوف تكره غِبَّه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ