{ ربنا واجعلنا مسلمين لك } مخلصين لك ، من أسلم وجهه ، أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد ، والمراد طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان ، أو الثبات عليه . وقرئ { مسلمين } على أن المراد أنفسهما وهاجر . أو أن التثنية مراتب الجمع . { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } أي واجعل بعض ذريتنا ، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع ، وخصا بعضهم لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة ، وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله تعالى ، فإنه مما يشوش المعاش ، ولذلك قيل : لولا الحمقى لخربت الدنيا ، وقيل : أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن تكون من للتبيين كقوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم } قدم على المبين وفصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى : { خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } . { وأرنا } من رأى بمعنى أبصر ، أو عرف ، ولذلك لم يتجاوز مفعولين { مناسكنا } متعبداتنا في الحج ، أو مذابحنا . والنسك في الأصل غاية العبادة وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة . وقرأ ابن كثير والسوسي عن أبي عمرو ويعقوب { أرنا } ، قياسا على فخذ ، في فخذ وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها . وقرأ الدوري عن أبي عمرو بالاختلاس { وتب علينا } استتابة لذريتهما ، أو عما فرط منهما سهوا . ولعلهما قالا هضما لأنفسهما وإرشادا لذريتهما { إنك أنت التواب الرحيم } لمن تاب .
{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }( 128 )
وقولهما { اجعلنا } بمعنى صيرنا تتعدى إلى مفعولين ، و { مسلمين } هو المفعول الثاني ، وكذلك كانا ، فإنما أرادا التثبيت والدوام( {[1260]} ) ، والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعاً ، وقرأ ابن عباس وعوف( {[1261]} ) : «مسلمين » على الجمع ، و { من } في قوله { ومن ذريتنا } للتبعيض ، وخص من الذرية بعضاً لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين ، والأمة الجماعة ، وحكى الطبري أنه أراد بذلك العرب خاصة .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهو ضعيف ، لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي ، «أرِنا » بكسر الراء ، وقرأ ابن كثير «أرْنا » بإسكان الراء ، وقرأ أبو عمرو بين الإسكان والكسر اختلاساً ، والأصل أرئينا حذفت الياء للجزم ونقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت تخفيفاً ، واستثقل بعد من سكن الراء الكسرة كما استثقلت في فخذ ، وهنا من الإجحاف( {[1262]} ) ما ليس في فخذ ، وقالت طائفة : { أرنا } من رؤية البصر ، وقالت طائفة : من رؤية القلب ، وهو الأصح ، ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفعولين ، وينفصل عنه بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب كغير المعدى( {[1263]} ) .
قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر : [ الطويل ]
أريني جواداً ماتَ هزلاً لأنني . . . أرى ما ترين أو بخيلاً مخلدا( {[1264]} )
وقال قتادة : المناسك معالم الحج ، وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ودعا بهذه الدعوة بعث الله إليه جبريل فحج به( {[1265]} ) ، وقال ابن جريج : المناسك المذابح أي مواضع الذبح ، وقال فريق من العلماء : المناسك العبادات كلها ، ومنه الناسك أي العابد ، وفي قراءة ابن مسعود «وأرهم مناسكهم » كأنه يريد الذرية ، والتوبة الرجوع ، وعرفه شرعاً من الشر إلى الخير وتوبة الله على العبد رجوعه به وهدايته له .
واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون ، فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، وقيل : أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول برني فلان وأكرمني وأنت تريد في ولدك وذريتك ، وقيل وهو الأحسن عندي( {[1266]} ) : إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة . وقال الطبري : إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معانٍ يحب أن تكون أحسن مما هي( {[1267]} ) .
وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة ، واختلف في غير ذلك من الصغائر ، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع ، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة »( {[1268]} ) إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر الله ، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى ، والتوبة هنا لغوية( {[1269]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.