قوله عز وجل : { ربنا واجعلنا مسلمين لك } يعني موحدين مخلصين مطيعين خاضعين لك . فإن قلت : الإسلام إما أن يكون المراد منه الدين والاعتقاد أو الاستسلام والانقياد وقد كانا كذلك حالة هذا الدعاء فيما فائدة هذا الطلب ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أن الإسلام عرض قائم بالقلب وقد لا يبقى ، فقوله : واجعلنا مسلمين لك يعني في المستقبل وذلك لا ينافي حصوله في الحال . الوجه الثاني يحتمل أن يكون المراد منه طلب الزيادة في الإيمان فكأنهما طلبا زيادة اليقين والتصديق وذلك لا ينافي حصوله في الحال { ومن ذريتنا } أي من أولادنا { أمة } أي جماعة { مسلمة } أي خاضعة منقادة { لك } وإنما أدخل من التي هي للتبعيض لأن الله تعالى أعلمهما بقوله : { لا ينال عهدي الظالمين } إن في ذريتهما الظالم فلهذا خص بعض الذرية بالدعاء . فإن قلت : لم خص ذريتهما بالدعاء . قلت : لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة ، قال الله تعالى :{ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم ألا ترى أن المتقدمين من العلماء والكبراء : إذا كانوا على السداد كيف يتسببون لسداد من وراءهم . وقيل : أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى :{ وابعث فيهم رسولاً منهم } { وأرنا } أي علمنا وبصرنا { مناسكنا } أي شرائع ديننا وأعلام حجنا ، وقيل : مناسكنا يعني مذابحنا والنسك الذبيحة ، وقيل متعبداتنا وأصل النسك العبادة والناسك العابد فأجاب الله دعاءهما وبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال : عرفت يا إبراهيم . قال إبراهيم : نعم فسمي ذلك الوقت عرفة والموضع عرفات { وتب علينا } أي تجاوز عنا { إنك أنت التواب } أي المتجاوز عن عباده { الرحيم } بهم واحتج بقوله " وتب علينا " من جوز الذنوب على الأنبياء . ووجهه أن التوبة لا تطلب من الله إلاّ بعد تقدم الذنب فلو لا تقدم الذنب لم يكن لطلب التوبة وجه . وأجيب عنه بأن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه عز وجل فإنه لا ينفك عن تقصير في بعض الأوقات . أما على سبيل السهو أو ترك الأولى والأفضل ، وكان هذا الدعاء لأجل ذلك ، وقيل : يحتمل أن الله تعالى لما أعلم إبراهيم أن في ذريته من ظالم فلا جرم سأل ربه التوبة لأولئك الظلمة ، والمعنى وتب على الظلمة من أولادنا حتى يرجعوا إلى طاعتك فيكون ظاهر الكلام الدعاء لأنفسهما والمراد به ذريتهما . وقيل : يحتمل أنهما لما رفعا قواعد البيت وكان ذلك المكان أحرى الأماكن بالإجابة دعوا الله بذلك الدعاء ليجعلا ذلك سنة وليقتدى من بعدهما في ذلك الدعاء لأن ذلك المكان هو موضع التنصل من الذنوب وسؤال التوبة والمغفرة من الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.