الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

وقولهما : { اجْعَلْنَا }[ البقرة :128 ] بمعنى : صيِّرنا مُسْلِمَيْن ، وكذلك كانا ، وإنما أرادا التثبيتَ والدوامَ ، والإِسلام في هذا الموضعِ الإِيمانُ ، والأعمالُ جميعاً ، و{ مِنْ } في قوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا } للتبعيض ، لأن اللَّه تعالى قد كان أعلمه أنَّ منهم ظالمين ، والأُمَّة : الجماعةُ ، { وَأَرِنَا } قالتْ طائفةٌ : من رؤية البصَرِ ، وقالت طائفةٌ : من رؤية القلبِ ، وهذا لا يصحُّ ، قال قتادة : المناسكُ معالم الحجِّ ، واختلف في معنى طلبهم التوبةَ ، وهم أنبياء معصومُونَ ، فقالتْ طائفةٌ : طلبا التثْبيتَ والدوامَ ، وقيل : أرادا من بعدهما مِنَ الذُّرِّيَّة ، وقيل ، وهو الأحسن : إِنهما لما عرفا المناسكَ ، وبنيا البيتَ ، أرادا أن يسنا للناس أنَّ تلك المواطنَ مكانُ التنصُّل من الذنوبِ ، وطلبِ التوبة .

وقال الطبريُّ : إِنه ليس أحد من خلق اللَّه إِلا بينه وبين اللَّه معانٍ ، يجب أنْ تكون أحسن ممَّا هي ، وأجمعت الأمة على عصْمة الأنبياء في معنى التبليغ ، ومن الكبائر ومن الصغائر الَّتي فيها رذيلةٌ ، واختلف في غير ذلك من الصغائر ، والذي أقول به أنهم معصومُونَ من الجميع ، وإنَّ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( إنِّي لأَتُوبُ فِي اليَوْمِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ، إِنَّما هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ إلى أَرْفَعَ مِنْهَا ، لِتَزَيُّدِ علومه ، وإطلاعه على أمر ربه ، فهو يتوب من منزلة إلى أعلى ، والتوبةُ هنا لُغَوِيَّةٌ .