فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

وقوله : { واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي : اجعلنا ثابتين عليه ، أو زدنا منه . قيل : المراد بالإسلام هنا مجموع الإيمان ، والأعمال . وقوله : { وَمِن ذُرّيَّتِنَا } أي : واجعل من ذريتنا ، و«من » للتبعيض ، أو للتبيين . وقال ابن جرير : إنه أراد بالذرية العرب خاصة ، وكذا قال السهيلي . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ؛ لأن دعوته ظهرت في العرب وغيرهم من الذين آمنوا به . والأمة : الجماعة في هذا الموضع ، وقد تطلق على الواحد ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا لِلَّهِ } [ النحل : 120 ] وتطلق على الدين ، ومنه : { إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أمة } [ الزخرف : 22 ] وتطلق على الزمان ، ومنه { وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] . وقوله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } هي من الرؤية البصرية . وقرأ عمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وابن كثير ، وابن محيصن ، وغيرهم : «أرنا » بسكون الراء ، ومنه قول الشاعر :

أرِنَا إدَاوةَ عَبْد الله يَمْلؤُهَا *** مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إنَّ القَوْمَ قَدْ ظَمِئوا

والمناسك جمع نسك ، وأصله في اللغة : الغسل ، يقال : نسك ثوبه : إذا غسله . وهو في الشرع : اسم للعبادة ، والمراد هنا : مناسك الحج . وقيل مواضع الذبح . وقيل : جميع المتعبدات . وقوله : { وَتُبْ عَلَيْنَا } قيل : المراد بطلبهما للتوبة : التثبيت ؛ لأنهما معصومان لا ذنب لهما . وقيل : المراد : تب على الظلمة منا .

/خ128