فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

{ ربنا واجعلنا مسلمين لك } أي ثابتين عليه أو زدنا منه ، قيل المراد بالإسلام هنا المجموع الإيمان والأعمال { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } من للتبعيض أو للتبيين ، قال ابن جرير : إنه أراد بالذرية العرب خاصة ، وكذا قال السهيلي ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف لأن دعوته ظهرت في العرب وغيرهم من الذين آمنوا به ، والأمة الجماعة في هذا الموضع وقد تطلق على الواحد ومنه قوله تعالى { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله } وتطلق على الدين ومنه { إنا وجدنا آباءنا على أمة } وتطلق على الزمان ومنه { وادكر بعد أمة } قيل أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله { وابعث فيهم رسولا منهم } .

{ وأرنا مناسكنا } هي من الرؤية البصرية ، والمناسك جمع نسك وأصله في اللغة الغسل يقال نسك ثوبه إذا غسله ، وهو في الشرع اسم للعبادة ، وقيل واحدها منسك والمراد هنا مناسك الحج ، وقيل مواضع الذبح ، وقيل جمع التعبدات ، قال علي : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا أبرزها لنا وعلمناها ، فبعث الله جبريل فحج به{[130]} ، وفي الباب آثار كثيرة عن السلف من الصحابة ومن بعدهم يتضمن أن جبريل أرى إبراهيم المناسك ، وفي أكثرها أن الشيطان تعرض له .


[130]:وقال أبو مجلز: لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل، فأراه الطواف، ثم أتى به جمرة العقبة،فعرض له الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبعا، وقال له: ارم وكبر فرميا وكبر مع كل رمية حتى غاب الشيطان. ثم أتى به جمرة الوسطى، فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات فقال: ارم وكبر، فرميا وكبر مع كل رمية حتى غاب الشيطان. ثم أتى به جمرة القصوى، فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبع حصيات. فقال له: ارم وكبر فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان، ثم أتى به منى فقال: ها هنا يحلق الناس رؤوسهم، ثم أتى به جمعا فقال: ها هنا يجمع الناس، ثم أتى به عرفة، فقال: أعرفت؟ قال: نعم. قال: فمن ثم سميت عرفات.