وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم لضخامتها وصباحتها وإن يقولوا تسمع لقولهم لذلاقتهم وحلاوة كلامهم وكان ابن أبي جسيما فصيحا يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع مثله فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم كأنهم خشب مسندة حال من الضمير المجرور في قولهم أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والنظر وقيل ال خشب جمع خشباء وهي الخشبة التي نخر جوفها شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر وقرأ أبو عمرو الكسائي وقنبل عن ابن كثير بسكون الشين على التخفيف أو على أنه كبدن في جمع بدنة يحسبون كل صيحة عليهم أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم ف عليهم ثاني مفعولي يحسبون ويجوز أن يكون صلته والمفعول هم العدو وعلى هذا يكون الضمير للكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله فاحذرهم عليه يدل على أن الضمير للمنافقين قاتلهم الله دعاء عليهم وهو طلب من ذاته أن يلعنهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك أنى يؤفكون كيف يصرفون عن الحق .
وقوله تعالى : { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ، وإن يقولوا تسمع لقولهم } توبيخ لهم لأنهم كانوا رجالاً أجمل شيء وأفصحه ، فكان نظرهم يروق وقولهم يخيب ، ولكن الله تعالى جعلهم «كالخشب المسندة » ، وإنما هي أجرام لا عقول لها ، معتمدة على غيرها ، لا تثبت بأنفسها ، ومنه قولهم : تساند القوم إذا اصطفوا وتقابلوا للقتال ، وقد يحتمل أن يشبه اصطفافهم في الأندية باصطفاف الخشب المسندة وخلوهم من الأفهام النافعة خلو الخشب من ذلك ، وقال رجل لابن سيرين : رأيتني في النوم محتضناً خشبة ، فقال ابن سيرين : أظنك من أهل هذه الآية وتلا : { كأنهم خشب مسندة } . وقرأ عكرمة وعطية : «يُسمع » مضمومة بالياء ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وعاصم : «خُشُب » بضم الخاء والشين ، وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي : «خُشْب » بضم الخاء وإسكان الشين وهي قراءة البراء بن عازب واختيار ابن عبيد .
وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب : «خَشَب » بفتح الخاء والشين ، وذلك كله جمع خشبة بفتح الخاء والشين ، فالقراءتان أولاً كما تقول : بُدْنة وبَدْن وبُدْن : قاله سيبويه ، والأخيرة على الباب في تمرة وتمر .
وكان عبد الله بن أبي من أبهى المنافقين وأطولهم ، ويدل على ذلك أنه لم يوجد قميص يكسو العباس غير قميصه ، وقد تقدم في سورة البقرة تحرير أمر المنافقين وكيف سترهم الإسلام .
وقوله تعالى : { يحسبون كل صيحة عليهم } ، فضح أيضاً لما كانوا يسرونه من الخوف ، وذلك أنهم كانوا يتوقعون أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بقتلهم ، وقال مقاتل : فكانوا متى سمعوا نشدان ضالة أو صياحاً بأي وجه كان أو أخبروا بنزول وحي طارت عقولهم حتى يسكن ذلك . ويكون في غير شأنهم ، وجرى هذا اللفظ مثلاً في الخائف ، ونحو قول الشاعر [ بشار بن برد العقيلي ] : [ الوافر ]
يروّعه السرار بكل أرض . . . مخافة أن يكون به السرار{[11108]}
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم . . . خيلاً تكر عليهمُ ورجالا{[11109]}
ثم أخبر تعالى بأنهم { العدو } وحذر منهم ، و { العدو } يقع للواحد والجمع ، وقوله تعالى : { قاتلهم الله } دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة ، وتمني الشر لهم ، وقوله تعالى : { أنى يؤفكون } معناه : كيف يصرفون ، ويحتمل أن يكون { أنى } استفهاماً ، كأنه قال كيف يصرفون أو لأي سبب لا يرون أنفسهم ، ويحتمل أن يكون : { أنى } ظرفاً ل { قاتلهم } كأنه قال { قاتلهم الله } ، كيف انصرفوا أو صرفوا ، فلا يكون في القول استفهام على هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.