معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

وقوله : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } .

من العرب من يجزم بإذا ، فيقول : إذا تقم أقمْ ، أنشدني بعضهم :

وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا *** لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ

وقال آخر :

واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى *** وإذا تُصبْك خصاصةٌ فتجمَّل

وأكثر الكلام فيها الرفع ؛ لأنها تكون في مذهب الصفة ، ألا ترى أنك تقول :

الرُّطب إذا اشتد الحر ، تريد في ذلك الوقت . فلما كانت في موضع صفة كانت صلة للفعل الذي يكون قبلها ، أو بعد الذي يليها ، كذلك قال الشاعر :

وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها *** وإذا يحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُندُبُ

وقوله : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } .

خفف الأعمش ، وثقل إسماعيل بن جعفر المدني عن أصحابه وعاصم ، فمن ثقل فكأنه جمع خشبة خِشابا ، ثم جمعه [ 199/ب ] فثقل ، كما قال : ثمار وثُمُرٌ . وإن شئت جمعته ، وهو خشبة على خُشُب ، فخففت وثقلت ، كما قالوا : البدَنة ، والبُدُن والبُدْن ، والأَكُم والأَُكُم .

والعرب تجمع بعض ما هو على صورة خشبة أرى على فُعْل ؛ من ذلك : أجمة وأُجْم ، وبَدَنة وبُدْن ، وأكَمة وأُكْم .

ومن ذلك [ من ] المعتل : ساحة وسُوح ، وساق وسُوق ، وعانة وعُون ، ولابة ولُوب ، وقارة وقور ، وحياة وحى ، قال العجاج :

ولو ترى إذ الحياة حِيّ *** . . .

وكان ينبغي أن يكون : حُوى ، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا ، كما قالوا : بيض وعِين .

وقوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } .

جبنا وخوفا ، ثم قال : «هم العدو » ، ولم يقل : هم الأعداء ، وكل ذلك صواب .