{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم } أي هيئاتهم ومناظرهم ، يعني : أن لهم أجساماً تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } فتحسب أن قولهم حقّ وصدق لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم ، وقد كان عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فصيحاً جسيماً جميلاً ، وكان يحضر مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا قال سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم مقالته . قال الكلبي : المراد عبد الله بن أبيّ وجدّ بن قيس ، ومعتب بن قيس كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة ، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لكلّ من يصلح له ، ويدلّ عليه قراءة من قرأ ( يُسْمَعْ ) على البناء للمفعول ، وجملة : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } مستأنفة لتقرير ما تقدّم من أن أجسامهم تعجب الرائي وتروق الناظر ، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، شبّهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تفهم ولا تعلم ، وهم كذلك لخلوّهم عن الفهم النافع والعلم الذي ينتفع به صاحبه ، قال الزجاج : وصفهم بتمام الصور ، ثم أعلم أنهم في ترك الفهم والاستبصار بمنزلة الخشب . قرأ الجمهور { خُشُبٌ } بضمتين ، وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل بإسكان الشين ، وبها قرأ البراء بن عازب ، واختارها أبو عبيد لأن واحدتها خشبة كبدنة وبدن ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم . وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب بفتحتين ، ومعنى { مُّسَنَّدَةٌ } أنها أسندت إلى غيرها ، من قولهم : أسندت كذا إلى كذا ، والتشديد للتكثير . ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } أي يحسبون كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم نازلة بهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم ، وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان : أحدهما أنه عليهم ، ويكون قوله : { هُمُ العدو } جملة مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون ، والوجه الثاني : أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله : { هُمُ العدوّ } ، ويكون قوله : { عَلَيْهِمْ } متعلقاً ب { صيحة } ، وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر ، وكان حقه أن يقال : هو العدوّ ، والوجه الأوّل أولى . قال مقاتل والسديّ : أي إذا نادى منادٍ في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب ، ومن هذا قول الشاعر :
مازلت تحسب كلّ شيء بعدهم *** خيلا تكرّ علهم ورجالا
وقيل : كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم . ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يأخذ حذره منهم فقال : { فاحذرهم } أن يتمكنوا من فرصة منك أو يطلعوا على شيء من أسرارك لأنهم عيون لأعدائك من الكفار . ثم دعا عليهم بقوله : { قاتلهم الله أنى يُؤْفَكُونَ } أي لعنهم الله ، وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريقة التعجب ، كقولهم : قاتله الله من شاعر ، أو ما أشعره ، وليس بمراد هنا ، بل المراد ذمهم وتوبيخهم ، وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته عزّ وجلّ أن يلعنهم ويخزيهم ، أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك ؛ ومعنى { أنى يُؤْفَكُونَ } كيف يصرفون عن الحق ويميلون عنه إلى الكفر . قال قتادة : معناه يعدلون عن الحق . وقال الحسن معناه يصرفون عن الرشد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.