الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } لاستواء خلقها ، وحسن صورتها ، وطول قامتها .

قال ابن عبّاس : وكان عبد اللّه بن أُبيّ جسيماً صحيحاً فصيحاً ذلق اللسان ، فإذا قال يسمع النبي ( عليه السلام ) قوله .

{ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام .

قرأ الأعمش والكسائي وأَبُو عَمرو عن عابس وقيل عبّاس : خشب مخفف بجزم الشين ، وهي قراءة البراء بن عازب واختيار أبي عبيد قال : [ المدُّ مذهبها ] في العربية ، وذلك أنّ واحدتها خشبة ولم تجد في كلامهم اسماً على مثل فعلة تجمع فُعُلُ بضم الفاء والعين ، ويلزم من فعلها أن ينقل البدن أيضاً فيقرأ

{ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ } [ الحج : 36 ] لأن واحدتها بُدنة أيضاً .

وقرأ الأخرون بالتثقيل وهي اختيار أبي حاتم واختلف فيه عن ابن كثير وعاصم .

أخبرنا أَبُو بكر بن أبي محمّد الحمشاذي قال : أخبرنا أَبُو بكر بن مالك القطيعي ، حدّثنا محمّد بن يونس بن موسى قال : حدّثنا الأصمعي قال : حدّثنا سليم العاملاني قال : جاءَ رجل إلى ابن سيرين فقال : رأيت حالي مُحْتضن خشبة ، فقال أحسبك من أهل هذه الآية وتلا { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } .

{ يَحْسَبُونَ } من جبنهم وسوء ظنهم وقلّة يقينهم .

{ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } قال مقاتل : يقول إن نادى مناد في العسكر وانقلبت دابّة ، ونُشدت ضالة ظنّوا أنّهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب .

وقال بعضهم : إنّما قال ذلك لأنّهم على وجل من أن ينزل اللّه فيهم ، يهتك أستارهم وتبيح دماءهم وأموالهم وقال الشاعر في هذا المعنى :

ولو أنها عصفورة لحسبتها *** مسوّمة تدعو عُبيداً وأزنما

ثمّ قال { هُمُ الْعَدُوُّ } ابتداء وخبر .

{ فَاحْذَرْهُمْ } ولا تأمنهم .

{ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ } لعنهم اللّه .

{ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } يصرفون عن الحق .