ولما بين عداوة الكفار للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم رضي الله عنهم بقوله : { وما يجادل في آيات الله } ما بعده ، وكان ذلك أمراً غائظاً محزناً موجعاً ، وختم ذلك ببيان حقوق كلمة العذاب عليهم تسلية لمن عادوهم فيه سبحانه ، زاد في تسليتهم شرحاً لصدورهم وتثبيتاً لقلوبهم ببيان ولاية الملائكة المقربين لهم مع كونهم أخص الخلق بحضرته سبحانه وأقربهم من محل أنسه وموطن قدسه وبيان حقوق رحمته للذين آمنوا بدعاء أهل حضرته لهم فقال ، أو يقال : إنه لما بين حقوق كلمة العذاب ، كان كأنه قيل : فكيف النجاة ؟ قيل : بايقاع الإيمان بالتوبة عن الكفران ليكون موقعه أهلاً للشفاعة فيه من أهل الحضرة العلية ، فيغفر له إن تاب ما قدم من الكفر ، فقال مظهراً لشرف الإيمان وفضله : { الذين يحملون العرش } وهم المقربون وهم أربعة كما يذكر إن شاء الله تعالى في الحاقة ، فإذا كانت القيامة كانوا ثمانية ، وهل هم أشخاص أو صفوف فيه كلام يذكر إن شاء الله تعالى { ومن حوله } وهم جميع الملائكة وغيرهم ممن ربما أراد الله كونه محيطاً به كما تقدم في التي قبلها { وترى الملائكة حافين من حول العرش } أي طائفين به ، فأفادت هذه العبارة النص على الجميع مع تصوير العظمة .
ولما كان ربما وقع في وهم أنه سبحانه محتاج إلى حملهم لعرشه أو إلى عرشه أو إلى شيء ، نبه بالتسبيح على أنه غنيّ عن كل شيء وأن المراد بالعرش والحملة ونحو ذلك إظهار عظته لنا في مثل محسوسة لطفاً منه بنا تنزلاً إلى ما تسعه عقولنا وتحمله أفهامنا ، فقال مخبراً عن المبتدأ وما عطف عليه : { يسبحون } أي ينزهون أي يوقعون تنزيهه سبحانه عن كل شائبة نقص ملتبسين { بحمد } وصرف القول إلى ضميرهم إعلاماً بأن الكل عبيده من العلويين والسفليين القريب والبعيد ، وكائنون تحت تصرفه وقهره ، وإحسانه وجبره ، فقال : { ربهم } أي بإحاطة المحسن إليهم بأوصاف الكمال .
ولما كان تعالى باطناً لا يحيط أحد به علماً ، أشار إلى أنهم مع أنهم أهل الحضرة هم من وراء حجاب الكبر وأردية العظمة ، لا فرق بينهم في ذلك وبين ما هو في الأرض السفلى بقوله : { ويؤمنون به } لأن الإيمان إنما يكون بالغيب . ولما كانوا لقربهم أشد الخلق خوفاً لأنه على قدر القرب من تلك الحضرات يكون الخوف ، فهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء السادسة وهكذا ، وكانوا قد علموا من تعظيم الله تعالى للنوع الإنساني ما لم يعلمه غيرهم لأمره سبحانه لهم بتعظيمه بما اختص به سبحانه من السجود ، وكان من أقرب ما يقترب به إلى الملك التقرب إلى أهل وده ، نبه سبحانه على ذلك كله بقوله : { ويستغفرون } أي يطلبون محو الذنوب أعياناً وآثاراً .
ولما كان الاشتراك في الإيمان أشد من الاتحاد في النسب ، قال دالاً على أن الاتصاف بذلك يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة : { للذين آمنوا } أي أوقعوا هذه الحقيقة لما بينهم من أخوة الإيمان ومجانسته وإن اختلف جنسهم في حقيقة التركيب وإن وقع منهم بعد ذلك خلل يحق عليهم الكلمة لولا العفو { وما قدروا الله حق قدره } { ويعفو عن كثير } " لن يدخل أحد الجنة بعمله " . ولما ذكر استغفارهم بين عبارتهم عنه بقوله : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا بالإيمان وغيره . ولما كان المراد بيان اتساع رحمته سبحانه وعلمه ، وكان ذلك أمراً لا يحتمله العقول ، عدل إلى أسلوب التمييز تنبيهاً على ذلك مع ما فيه من هز السامع وتشويقه بالإبهام إلى الإعلام فقال : { وسعت كل شيء } ثم بين جهة التوسع بقوله تمييزاً محولاً عن الفاعل : { رحمة } أي رحمتك أي بإيجاده من العدم فما فوق ذلك { وعلماً } أي وأحاط بهم علمك ، فمن أكرمته فعن علم بما جبلته عليه مما يقتضي إهانة أو إكراماً .
ولما كان له سبحانه أن يفعل ما يشاء من تعذيب الطائع وتنعيم العاصي وغير ذلك ، قالوا منبهين على ذلك : { فاغفر للذين تابوا } أي رجعوا إليك عن ذنوبهم برحمتك لهم بأن تمحوا أعيانها وآثارها ، فلا عقاب ولا عتاب ولا ذكر لها { واتبعوا } أي كلفوا أنفسهم على ما لها من العوج أن لزموا { سبيلك } المستقيم الذي لا لبس فيه . ولما كان الغفران قد يكون لبعض الذنوب ، وكان سبحانه له أن يعذب من لا ذنب له ، وأن يعذب من غفر ذنبه قالوا : { وقهم عذاب الجحيم * } أي اجعل بينهم وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة وتتم نعمتك عليهم ، فإنك وعدت من كان كذلك بذلك ، ولا يبدل القول لديك ، وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.