التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

( وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 104 ) } .

عبارة الآية واضحة . وهي تأمر المسلمين بعدم التهاون والضعف في طلب أعدائهم وملاحقتهم وقتالهم . وتبّث فيهم بسبيل ذلك الروح : فإذا كان ينالهم نصب وألم من ذلك فأعداؤهم ينالهم مثل ذلك مع فارق عظيم هو أنهم يرجون من نصر الله وتأييده وأجره ما لا رجاء لأعدائهم فيه . والله عليم حكيم يعلم مقتضيات كل أمر ويأمر بما فيه الحكمة والسداد .

وقد روى المفسرون : أن الآية نزلت في مناسبة انتداب النبي للمسلمين عقب وقعة أحد حينما بلغه أن قريشا تفكر في الكرة عليهم للخروج إليهم ليثبتوا لهم أنهم غير هائمين منهم ، أو في مناسبة انتداب النبي للمسلمين للخروج إلى بدر ، حيث واعدهم أبو سفيان باللقاء في العام القابل بعد الوقعة المذكورة ، وقد تلكأ بعض المسلمين بسبب ما كان يشعر به من ألم وتعب{[673]} .

وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولسنا نرى لها مناسبة في مقام الآية .

ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق الذي فيه دعوة إلى الجهاد والهجرة ومراغمة العدو والحذر منه وتنديد بالمثبطين والمترددين وأنها جاءت معقبة وداعمة لذلك . والله اعلم .

ومع اتصال الآية بظروف السيرة النبوية فإن فيها تلقينا مستمر المدى في إطلاق عبارتها حيث تظل تهتف بالمؤمنين في كل ظرف ومكان بأن لا يتوانوا في مكافحة أعدائهم الذين يظل التفوق لهم عليهم بإيمانهم بنصر الله وأعداؤهم يفقدون هذا الإيمان الذي يمد صاحبه بقوة عظمى .


[673]:انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي.