فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

قوله : { وَلاَ تَهِنُوا فِى ابتغاء القوم } أي : لا تضعفوا في طلبهم ، وأظهروا القوّة والجلد . قوله : { إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } تعليل للنهي المذكور قبله ، أي : ليس ما تجدونه من ألم الجراح ومزاولة القتال مختصاً بكم ، بل هو أمر مشترك بينكم وبينهم ، فليسوا بأولى منكم بالصبر على حر القتال ، ومرارة الحرب ، ومع ذلك فلكم عليهم مزية لا توجد فيهم ، وهي : أنكم ترجون من الله من الأجر ، وعظيم الجزاء مالا يرجونه لكفرهم وجحودهم ، فأنتم أحقّ بالصبر منهم ، وأولى بعدم الضعف منهم ، فإن أنفسكم قوية ؛ لأنها ترى الموت مغنماً ، وهم يرونه مغرماً . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مّثْلُهُ } [ آل عمران : 140 ] . وقيل : إن الرجاء هنا بمعنى الخوف ؛ لأن من رجا شيئاً فهو غير قاطع بحصوله ، فلا يخلو من خوف ما يرجو . وقال الفراء ، والزجاج : لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي ، كقوله تعالى : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] أي : لا تخافون له عظمة . وقرأ عبد الرحمن الأعرج : «أن تَكُونُوا » بفتح الهمزة ، أي : لأن تكونوا . وقرأ منصور بن المعتمر «تيلمون » بكسر التاء ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقله .

/خ104