الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

قوله : ( وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا . . . ) الآية [ 104 ] .

قرأ عبد الرحمن الأعرج : أن تكونوا( {[13474]} ) تالمون بفتح إن على معنى لأن تكونوا أي : لا تهنوا من [ أجل ]( {[13475]} ) ألمكم ، أي لا تضعفوا عن عدوكم من أجل ما أصابكم من الجراح ، والتعب فإنهم قد أصابهم مثل ما أصابكم ، ولكم عليهم فضيلة ، وهي أنكم ترجون( {[13476]} ) من الله الجنة في الآخرة ، والأجر والخلاص من النار ، وترجون الغنيمة في الدنيا وهم لا يرجون جنة ولا أجراً ، ولا يأمنون من عذاب ، فأنتم أيها المؤمنون أولى ألا تضعفوا وأن تصبروا على عدوكم .

وقيل : معنى ترجون هنا : تخافون( {[13477]} ) .

وقيل( {[13478]} ) : لا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلا إذا تقدمه جحد ، كقوله : ( مَّالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلهِ وَقَاراً )( {[13479]} ) أي : ( {[13480]} ) لا تخافون الله عظمة( {[13481]} ) .

والرجاء هنا بمعنى الأمل أحسن وأقوم( {[13482]} ) .

ومعنى : ( ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ) في طلبهم .

فقال عكرمة( {[13483]} ) نزلت( {[13484]} ) يوم أحد ( إِنْ يَّمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ )( {[13485]} ) ونزلت ( إِنْ تَكُونُوا تَالَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَالَمُونَ كَمَا تَالَمُونَ )( {[13486]} ) .

قال ابن عباس : لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد الجبل جاء أبو سفيان( {[13487]} ) فقال : يا محمد : ألا تخرج ؟ ألا تخرج ؟ الحرب سجال ، يوم لنا ويوم لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجيبوا- " ، فقالوا : لا سواء ، لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار ، فقال أبو سفيان : عزى لنا ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا : إن الله مولانا ولا مولى لكم( {[13488]} ) .

قال أبو سفيان : أُعْلُ هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قولوا( {[13489]} ) ) : [ الله ]( {[13490]} ) أعلى وأجل .

قال أبو سفيان : موعدنا وموعدكم بدر الصغرى ، وكان بالمسلمين جراح . فقاموا وبهم الجراح( {[13491]} ) .

قوله : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً ) أي : لم يزل عالماً بمصالح خلقه . ( حَكِيماً ) أي : حكيماً في تدبيره وتقديره .


[13474]:- هي قراءة شاذة في: مختصر الشواذ 28، والمحتسب 1/167.
[13475]:- ساقط من (أ).
[13476]:- ترجون مالاً من الله.
[13477]:- فسر الرجاء بمعنى الخوف في: معاني الفراء 1/286، ومجاز القرآن 2/270، وتفسير الغريب 487، ومعاني الزجاج 2/100 و5/229، وجامع البيان 5/264، و29/94. وغير معروف في كلام العرب صرف الرجاء إلى معنى الخوف، إلا ما كان من لغة أهل الحجاز فيما قال قطرب، وقد أجمع أهل اللغة على أن الرجاء هنا على معنى الأمل لا على صريح الخوف وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف لأن الرجاء أمل قد يخاف ألا يتم. انظر: معاني الفراء 1/286، والجامع للأحكام 18/303.
[13478]:- هو قول للفراء، معاني الفراء 1/286.
[13479]:- نوح آية 13.
[13480]:- (أ): ألا.
[13481]:- في معاني الفراء 1/286: لا تخافون لله عظمة.
[13482]:- وهو ما اختاره الزجاج في معانيه 2/100.
[13483]:- ساق الطبري قول عكرمة بعد قول ابن عباس وهو أنسب.
[13484]:- زيادة يقتضيها السياق.
[13485]:- آل عمران: الآية 140.
[13486]:- انظر: جامع البيان 5/263.
[13487]:- هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي توفي 31 هـ. صحابي من سادة قريش، أسلم يوم فتح مكة شهد حنيناً والطائف واليرموك. انظر: أسد الغابة 2/392، الإصابة 2/172 وسبقت ترجمته.
[13488]:- (أ): ولا مولاكم.
[13489]:- ساقط من (ج).
[13490]:- زيادة يقتضيها السياق.
[13491]:- انظرك المسند لأحمد بتحقيق شاكر 6/191.