فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

{ ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما ( 104 ) }

{ ولا تهنوا في ابتغاء القوم } من وهن بالكسر في الماضي أو من وهن بالفتح أي لا تضعفوا في طلبهم وقتالهم وأظهروا القوة والجلد ، وقريء تهانوا من الإهانة مبنيا للمفعول أي لا تتعاطوا من الجبن والخور ما يكون سببا في إهانتكم .

{ إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون } تعليل للنهي المذكور قبله أي ليس ما تجدون من ألم الجراح ومزاولة القتال مختصا بكم ، بل هو أمر مشترك بينكم وبينهم ، فليسوا بأولى منكم بالصبر على حر القتال ومرارة الحرب .

ومع ذلك فلكم عليهم مزية لا توجد فيهم { و } هي أنكم { ترجون من الله } من الأجر وعظيم الجزاء { مالا يرجون } لكفرهم وجحودهم فأنتم أحق بالصبر منهم وأولى بعدم الضعف منهم ، فإن أنفسكم قوية لأنها ترى الموت مغنما وهم يرونه مغرما ، ونظير هذه الآية قوله تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } .

وقيل : إن الرجاء هنا بمعنى الخوف لأن من رجا شيئا فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف ما يرجو ، وقال الفراء والزجاج : لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي كقوله تعالى { ما لكم لا ترجون لله وقارا } أي لا تخافون له عظمة .

{ وكان الله عليما حكيما } لا يأمركم بشيء إلا وهو يعلم أنه مصلحة لكم .