تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

الآية 104

وقوله تعالى : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون وترجون من الله ما لا يرجون } في الآية دلالة فرضية الجهاد ، لأنه عز وجل أخبر أنهم يألمون ، ويتوجعون بما يصيبهم من الجراحات كما تألمون أنتم ، وتتوجعون . فلو{[6467]} كان فضلا لكان يرفع عنهم الجهاد عند الألم والتوجع( كما يرفع شأن ){[6468]} النوافل عند الألم والتوجع . فدل أنه فرض ، لكنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية يسقط بقيام البعض عن الباقين . وقد ذكرنا في ما تقدم هذا الوجه فيه .

وقوله تعالى : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } فمعناه ، والله أعلم : أي لا عذر لكم في تألمكم أن تهنوا في ابتغائهم ، فإنهم يألمون كما تألمون ، ولا يضعفون في ذلك ، وترجون أنتم العاقبة من الثواب الجزيل ما لا يرجون .

ثم هم لا يضعفون ، فكيف تضعفون أنتم في ذلك ؟ وكل أمر ، لا عاقبة له ، فهو عبث ، وليس لأمرهم عاقبة ، وهو عبث ، ولأمركم عاقبة محمودة ، فأنتم أولى بذلك .

ودل قوله تعالى : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } على تأكيد{[6469]} فرضية الجهاد ؛ إذ لم يأذن لهم في التخلف عن ذلك على ما فيه من التألم وخوف هلاك النفس في ذلك ، ثم بين ما يخف لمثله تحمل المكروه على الطبع له ، وقد يختار له مباشرة الإتعاب في النفس من عواقب تنقطع ، وتزول ، فكيف في ما لا انقطاع له من رجاء الثواب بذلك التألم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكان الله عليم حكيما } بتألمكم ، أي عن علم بالتألم أمركم أمركم بذلك عن جهل ، وقد ذكرنا في غير موضع .


[6467]:أدرج قبلها في الأصل وم العبارة التالية: في الآية دلالة فرضية بها.
[6468]:في الأصل وم: ما يرفع ساء.
[6469]:في الأصل وم: تأكد.