محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

ثم حثهم تعالى على الجهاد بقوله :

/ ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما104 ) .

( ولا تهنوا في ابتغاء القوم ) أي : لا تضعفوا في طلب عدوكم بالقتال بل جدوا فيهم واقعدوا لهم كل مرصد . ثم ألزمهم الحجة بقوله سبحانه : ( ان تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ) أي : ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم . كما قال تعالى : ( ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) {[2224]} . ثم زاد في تقرير الحجة ، وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين بقوله تعالى : ( وترجون من الله ما لا يرجون ) يعني وتأملون من القرب من الله واستحقاق الدرجات من جناته واظهار دينه ، كما وعدكم اياه في كتابه وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ، ما لا يأملونه ، فأنتم أولى بالجهاد منهم وأجدر بإقامة كلمة الله ( وكان الله عليما حكيما ) أي : فلا يكلفكم الا بما يعلم أنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم . فجدوا في الامتثال بذلك فإن فيه عواقب حميدة .

قال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية وجوب الجهاد وأنه لا يسقط لما يحصل من المضرة بالجراح ونحوه . وان التجلد وطلب ما يقوي لازم ، وما يحصل به الوهن لا يجوز فعله . وتدل على جواز المعارضة والحجاج لقوله : ( فانهم يألمون ) وتدل على أن للمجاهد أن يجاهد لطلب الثواب لقوله : ( وترجون من الله ما لا يرجون ) فجعل هذا سببا باعثا على الجهاد . هذا معنى كلام الحاكم . ونظير هذا : لو صلى لطلب الثواب أو السلامة من العقاب . وقد ذكر في ذلك خلاف . فعن الراضي بالله : يجزي ذلك . وقواه الفقيه يحيى بن أحمد . وعن أبي مضر : لا يجزي . لأنه لم ينو الوجه الذي شرع له . انتهى .


[2224]:|3/ آل عمران/ 140|.