مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104)

{ ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما }

اعلم أنه تعالى لما ذكر بعض الأحكام التي يحتاج المجاهد إلى معرفتها عاد مرة أخرى إلى الحث على الجهاد فقال { ولا تهنوا } أي ولا تضعفوا ولا تتوانوا { في ابتغاء القوم } أي في طلب الكفار بالقتال ، ثم أورد الحجة عليهم في ذلك فقال : { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون } والمعنى أن حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم ، فلما لم يصر خوف الألم مانعا لهم عن قتالكم فكيف صار مانعا لكم عن قتالهم ، ثم زاد في تقرير الحجة وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين ، لأن المؤمنين مقرون بالثواب والعقاب والحشر والنشر ، والمشركين لا يقرون بذلك ، فإذا كانوا مع إنكارهم الحشر والنشر يجدون في القتال فأنتم أيها المؤمنون المقرون بأن لكم في هذا الجهاد ثوابا عظيما وعليكم في تركه عقابا عظيما ، أولى بأن تكونوا مجدين في هذا الجهاد ، وهو المراد من قوله تعالى : { وترجون من الله ما لا يرجون } ويحتمل أيضا أن يكون المراد من هذا الرجاء ما وعدهم الله تعالى في قوله { ليظهره على الدين كله } وفي قوله { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } وفيه وجه ثالث ، وهو أنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير فيصح منكم أن ترجوا ثوابه ، وأما المشركون فإنهم يعبدون الأصنام وهي جمادات ، فلا يصح منهم أن يرجوا من تلك الأصنام ثوابا أو يخافوا منها عقابا . وقرأ الأعرج { إن تكونوا تالمون } بفتح الهمزة بمعنى : ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون ، وقوله { فإنهم يالمون كما تالمون } تعليل .

ثم قال : { وكان الله عليما حكيما } أي لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما هو عالم بأنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم .