جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

{ إنا عرضنا الأمانة{[4126]} } ، الطاعة والفرائض ، { على السموات والأرض والجبال } ، بأن قلنا لهن ، هل تحملن الأمانة وما فيها ؟ قلن بعد أن أنطقهن{[4127]}الله : وأي شيء فيها ؟ قلنا : إن أحسنتن أثبناكن ، وإن أسأتن عوقبتن{[4128]} ، قلن : لا طاقة لنا ولا نريد الثواب ، { فأبين أن يحملنها وأشفقن } : خفن ، { منها وحملها الإنسان } : آدم لما عرضنا عليه ، { إنه كان ظلوما } لنفسه بتحمله ما يشق عليها ، { جهولا } بوخامة{[4129]} عاقبته ، عن كثير من السلف : ما كان بين قبول الأمانة ، وبين خطيئته إلا قدر ما بين العصر إلى الليل ، ذكر الزجاج وبعض العلماء أن الأمانة في حق السماوات والأرض والجبال الخضوع والانقياد لمشيئة الله وإرادته ، وفي حق بني آدم الطاعة والفرائض ، ومعنى ''أبين أن يحملنها'' على هذا : أدين الأمانة ولم يخن فيها ، وخرجن عن عهدتها ، وحملها الإنسان خان فيها وما خرج عن عهدتها ، يقال : فلان حامل الأمانة ومحتملها ، أي لا يؤديها إلى صاحبها ، وقد نقل عن الحسن مثل ذلك ، والظلومية والجهولية باعتبار الجنس ، قال الإمام الرازي : أي من شأنه الجهل والظلم ، كما تقول : الماء طهور والفرس جموح ،


[4126]:قال القرطبي: الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور، وقد اختلف في تفاصيل بعضها، فقال ابن مسعود: هي أمانة الأموال كالودائع وغيرها، وقال أبو الدرداء: غسل الجنابة أمانة، وقال السدي: هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه، في قتله وما أبعد هذا القول، وليت شعري ما هو الذي سوغ للسدي تفسير هذه الآية بهذا، فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل، وليست هذه الآية حكاية عن الماضي من العباد حتى يكون له في ذلك متمسك فهو أبعد من كل بعيد وأوهن من بيت العنكبوت، وإن كان تفسيره هذا عملا بما تقتضيه اللغة العربية، فليس في لغة العرب ما يقتضي هذا ويوجب حمل هذه الأمانة المطلقة على شيء كان في أول هذا العالم، وإن كان هذا تفسيرا منه بمحض الرأي، فليس الكتاب العزيز عرضة لتلاعب آراء الرجال به، ولهذا ورد الوعيد على من فسر القرآن برأيه، فاحذر أيها الطالب للحق عن قبول مثل هذه التفاسير، واشدد يديك في تفسير كتاب الله على ما تقتضيه اللغة العربية فهو قرآن عربي كما وصفه الله، فإن جاءك التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تلتفت إلى غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وكذلك ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فإنهم من جملة العرب ومن أهل اللغة وممن جمع إلى اللغة العربية العلم بالاصطلاحات الشرعية، ولكن إذا كان معنى اللفظ أوسع مما فسروه به في لغة العرب، فعليك أن تضم إلى ما ذكره الصحابي ما تقتضيه لغة العرب وأسرارها، فخذ هذه الكلية تنتفع بها / 12 فتح.
[4127]:هذا كلام أكثر السلف، وهو غير مستحيل كحنين الجذع وتسبيح الحصى وغير ذلك / 12 وجيز.
[4128]:وعن عظماء السلف أنهن ضججن إلى الله ثلاثة أيام قائلات: لا طاقة لنا بالعمل / 12 وجيز.
[4129]:وخامة: ثقالة /12 وجيز.