النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

قوله : { إنَّا عرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالِجبَالِ } فيها خمسة أقاويل :

أحدها : أن هذه الأمانة هي ما أمر الله سبحانه من طاعته ونهى عن معصيته ، قاله أبو العالية .

الثاني : أنها القوانين والأحكام التي أوجبها الله على العباد وهو قريب من الأول ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وابن جبير .

الثالث : هي ائتمان الرجال والنساء على الفروج ، قاله أبي . وقيل إن أول ما خلق الله من آدم الفرج فقال : " يَا آدَمُ هَذِهِ أَمَانَةٌ خبأتها عِندَكَ فلاَ تَلبِسْها{[2227]} إِلاَّ بِحَقٍ فإن حَفِظْتَهَا حَفِظْتُكَ " .

الرابع : أنها الأمانات التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها وأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده حين أراد التوجه إلى أمر ربه فخان قابيل الأمانة في قتل أخيه هابيل ، قاله السدي .

الخامس : أن هذه الأمانة هي ما أودعه الله في السموات والأرض والجبال والخلق من الدلائل على ربوبيته أن يظهرونها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ، قاله بعض المتكلمين .

وفي عرض هذه الأمانة ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن عرضها هو الأمر بما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها ، قاله بعض المتكلمين .

الثاني : الأمانة عورضت بالسموات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ؛ قاله ابن بحر .

الثالث : أن الله عرض حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها .

واختلف قائلو هذا على وجهين :

أحدهما : أنها عرضت على السموات والأرض والجبال ، قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : أنها عرضت على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة ، قاله الحسن .

{ فَأَبَينَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأشْفَقْنَ مِنْهَا } يحتمل وجهين :

أحدهما : أَبَينَ أن يحملنها عجزاً وأشفقن منها خوفاً .

الثاني : أبين أن يحملنها حذراً وأَشْفَقْنَ منها تقصيراً .

{ وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } فيه قولان :

أحدهما : جميع الناس ، قاله ثعلب .

الثاني : أنه آدم ثم انتقلت منه إلى ولده ، قاله الحسن . روي عن معمر عن الحسن أن الأمانة لما عرضت على السموات والأرض والجبال قالت : وما فيها ؟ قيل لها : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقالت : لا . قال مجاهد : فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال : وما هي ؟ قال : { إن أَحْسَنْتَ آجَرْتُكَ وَإنْ أَسَأتَ عَذَّبْتُكَ } قال تحملتها يا رب . قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر .

{ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ظلوماً لنفسه ، جهولاً بربه ، قاله الحسن .

الثاني : ظلوماً في خطيئته ، جهولاً فيما حَمَّلَ ولده من بعده ، قاله الضحاك .

الثالث : ظلوماً لحقها ، قاله قتادة . جهولاً بعاقبة أمره ، قاله ابن جريج .


[2227]:هكذا بالأصل والذي في نوادر الأصول فلا تبسل منها شيئا إلا بحقها والإبسال هنا التضييع