فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا 72 ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما 73 }

مطالب الدين وتكاليفه ، وعهد رب العالمين وميثاقه ، وأمانات الله تعالى ، من رعاها فله عند مولاه الحسنى وزيادة ، ومن ضيعها فقد أضاع نفسه وأهلكها ، مما أورد صاحب جامع البيان{[3695]} . . . عن ابن عباس : قوله : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك ، وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها . . . وفي رواية عنه . . . فقال لآدم : يا آدم إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها ، فهل أنت آخذها بما فيها ؟ فقال : يارب ! وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت ، و إن أسأت عوقبت ، فأخذها آدم فتحملها . . اه .

ومما كتب صاحب روح المعاني{[3696]} : . . . عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها بطريق التمثيل مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام . . . عبر عنها بالأمانة وهي في الأصل مصدر كالأمن والأمانة تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين وائتمنهم عليها ، وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد ، وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها ، وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها ، . . . والمعنى : أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها ، وكانت ذات شعور وإدراك ، لأبين قبولها وخفن منها . . . .

{ وحملها الإنسان } أي هذا الجنس ، نحو : )إن الإنسان لربه لكنود( {[3697]} ، )كلا إن الإنسان ليطغى( {[3698]} . . . وقوله تعالى : { إنه كان ظلوما جهولا } اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما تحمل . . . . . ويكفي في صدق الحكم على الجنس بشيء وجوده في بعض أفراده ، فضلا عن وجوده في غالبها .

وإلى الفريق الأول أشير بقوله تعالى : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات }


[3695]:هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وكتابه: جامع البيان، في تفسير القرآن، جـ 22، ص 40، 41.
[3696]:هو العلامة الألوسي، وكتابه: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، جـ 22، ص 96، وما بعدها.
[3697]:سورة العاديات. الآية 6.
[3698]:سورة العلق. من الآية 6.