الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

وقوله سبحانه : { إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض } [ الأحزاب : 72 ] .

ذهب الجمهور : إلى أن الأمانةَ كلُّ شيء يُؤتمن الإنسانُ عليه من أمر ونهي وشأن دين ودنيا ، فالشرعُ كلّه أمانة ، ومعنى الآية : إنا عرضْنَا على هذه المخلوقاتِ العظامِ أنْ تحملَ الأوامرَ والنَّواهي ، ولهَا الثوابُ إن أحْسَنَتْ ، والعقابُ إن أساءت فأبتْ هذه المخلوقاتُ وأشفقت ، فيحتمل أن يكونَ هذا بِإدراكٍ يَخْلُقُه اللّهُ لَهَا ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ هذا العَرْضُ على مَنْ فِيها من الملائِكةِ ، وحَمَلَ الإنسانُ الأمانةَ ، أي : التزَمَ القِيامَ بِحَقِّهَا ، وهو في ذلك ظَلُومٌ لِنَفْسِهِ جَهُولٌ بقدر مَا دخَل فيه وهذا هو تأويل ابنِ عباس وابن جبير ، قال ابن عباس وأصحابُه : و{ الإنسان } آدم تَحمَّلَ الأَمانةَ فَما تَمَّ لَهُ يَوْمٌ حَتَّى وَقَعَ فِي أمرِ الشَّجرة ، وقال بعضُهم { الإنسان } : النَّوعُ كلّه ؛ فعلى تأويلِ الجمهور يكونُ قولُهما في الآية الأخرى { أَتَيْنَا طائعين } [ فصلت : 11 ] إجابةً لأَمْرٍ أُمِرْت بِهِ وتَكُونُ هذه الآيةُ إبايَةً وإشفاقاً مِنْ أَمْرٍ عُرِضَ عَلَيْهَا وخُيِّرَتْ فِيه .