بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

قوله عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال } قال مجاهد : لما خلق الله عز وجل الأمانة عرضها على السماوات والأرض والجبال { فأبين أن يحملنها } فلما خلق آدم عليه السلام عرض عليه الأمانة فحملها ، فما كان بين أن حملها ، وبين أن أخرج من الجنة ، إلا كما بين الظهر والعصر . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : { إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة } يعني : " الفرائض على السماوات والأرض والجبال . فقال لهن : يأخذن بما فيها ؟ فقلن : وما فيها يا رب ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن . وإن أسأتن عوقبتن . فقلن : يا رب إن تعرضها علينا فلا نريد ، وإن أمرتنا بها فنحن نجتهد . وعرضت على الإنسان يعني : آدم عليه السلام فقبلها وحملها " . وقال بعضهم : هذا على وجه المثل إن لم تظهر الخيانة في الأمانة إلا من الإنسان . فلم تظهر من السماوات والأرض والجبال كما قال : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ } [ الحشر : 21 ] فكأنه يقول : لو عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال لأبين حملها { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان } يعني : آدم وذريته { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } بالقبول . وروي عن الحسن أنه قال : عرض على السماوات عرض التخيير لا عرض الإيجاب . فلذلك لم تعصِ بترك قبولها ويقال : { عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات } يعني : على ملائكة السماوات والأرض والجبال . كما قال : { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] يعني : أهل القرية . وقال السدي : لما أراد أن يحج ، عرض الأمانة يعني : أمر ولده شِيث وهابيل وقابيل ، فعرض على قابيل : أخد خزائنه ، والائتمار والقيام في شغل الدنيا والعيش حتى يرجع هو من الحج إلى وطنه فقبله ثم خانه فقتل أخاه . وإنما كان عرض آدم بأمر الله تعالى فلذلك قال : { عَرَضْنَا } . وقال بعضهم : إن الله عز وجل لما استخلف آدم على ذريته ، وسلّطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والوحوش والطير ، عهد إليه عهداً أمره فيه ، ونهاه فقبله ، ولم يزل عاملاً به إلى أن حضرته الوفاة ، فسأل ربه أن يعلمه من يستخلف بعده ، ويقلده الأمانة . أن يعرض على السماوات والأرض بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ، ومن العقاب إن عصى { فَأبَيْنَ } أن يقبلنها شفقاً من عذاب الله . فأمره أن يعرض على الأرض والجبال وكلها أبت ، ثم أمره أن يعرض على ولده فعرض عليه ، فقبله بالشرط { إنه كان ظلوماً جهولاً } لعاقبة ما تقلده ، يعني : المتقبل الذي تقبله منه .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال : { الأمانة } ثلاث في الصلاة والصيام والجنابة .