{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض } الآية .
قال ابن جبير والحسن الأمانة : الفرائض التي افترضها الله على عباده ، فلم تقدر على حملها ، وعرضت على آدم فحملها {[55728]} . { إنه كان ظلوما } أي لنفسه ، { جهولا } أي جاهلا بالذي له فيه الحظ . قال جويبر : فلما عرضت على آدم ، قال : أي رب [ وما الأمانة ] {[55729]} ؟ فقيل له : إن أديتها جزيت وإن أضعتها عوقبت قال أي رب ، حملتها بما فيها ، قال : فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية فأخرج منها {[55730]} .
وروي هذا القول عن ابن عباس ، قال ابن عباس : عرضت الفرائض على السماوات والأرض والجبال فكرهن ذلك وأشفقن من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله ألا يقمن به ، ثم عرضها على آدم فقبلها {[55731]} . والحمل هاهنا من الحمالة والضمان ، وليس من الحمل على الظهر ولا في الصدر .
وقيل : الأمانة هاهنا أمانات الناس والصلاة والصوم والوضوء {[55732]} . وهذا القول كالأول لأنه كله فروض وأداء أمانات الناس فرض فهو القول الأول بعينه .
وقيل : هو ائتمان آدم ولده قابيل على أخيه هابيل فقتله . رواه السدي عن ابن عباس في حديث مرسل {[55733]} .
وقيل : المعنى : إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة والجن والإنس ، فأبين أن يحملنها ، أي يحملن وزرها ، وحملها الإنسان يعني الكافر والمنافق .
وذكر القتبي : أن الله جل ذكره عهد إلى آدم وأمره وحرم عليه وأحل له فعمل بذلك فلما حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من سيخلفه بعده ويقلده من الأمانة ما قلد ، فأمره أن يعرض ذلك على أهل السماوات والأرض والجبال بالشرط الذي شرطه الله عليه من الثواب إن وفى والعقاب إن عصى ، فأبين أن يقبلن ذلك شفقا {[55734]} من عقاب الله ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فقبله بالشرط لجهله لعاقبة ما تقلد {[55735]} . ولذلك ظهر إيمان المؤمن ونفاق المنافق وكفر الكافر ، ولذلك قال تعالى بعد ذلك : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات } إلى آخر السورة .
فقال أبو إسحاق في الأمانة : إن الله جل ذكره ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته ، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع {[55736]} له ، فأما السماوات والأرض والجبال فأعلمتا بطاعتهن له ، قال تعالى : { ثم استوى إلى السماء } الآية .
{ قالتا أتينا طائعين } {[55737]} : وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله ، وأن الشمس والقمر والنجوم ( والملائكة ) {[55738]} يسبحون لله ، فأعلمنا أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملن الأمانة وتأديتها ، وأداؤها طاعة الله فيما أمر به وترك المعصية وحملها الإنسان {[55739]} .
قال الحسن : الكافر والمنافق حملا الأمانة أي : خاناها ولم يطيقاها {[55740]} . وتصديق ذلك قوله : { ليعذب الله المنافقين } الآية .
وقيل : المعنى : أن الله جل ذكره عرض على السماوات أن ينزل قطرها في إبانه بلا ملائكة يوكلون بها ، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت ، وعرض على الأرض أن يخرج نباتها وأنهارها وما يكوننها في آجاله بلا ملائكة يوكلون بها ، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت ، وعرض على الجبال أن تفجر أنهارها وتخرج ثمارها وأشجارها على أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت وأشفقت الجميع من العقاب ، وعرض على آدم أداء الفرائض على أن له الثواب وعليه العقاب ، فقال : بين أذني وعاتقي فوكل معه ملائكة يسددونه ويوفقونه .
ثم قال تعالى : { إنه كان ظلوما جهولا } .
قال الضحاك : ظلوما لنفسه ، جاهلا فيما احتمل بينه وبين ربه {[55741]} .
وقال قتادة : ظلوما لها يعني الأمانة جهولا عن حقها {[55742]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.