قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ } قيل : كان العَرْض على أعيان هذه الأشياء ، فأفهمهنّ الله خطابه وأنطقهنّ . وقيل : عرضها على من فيها من الملائكة . وقيل : عرضها على أهلها كلّها دون أعيانها ، وهذا كقوله :
{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] [ أي أهلها ] .
{ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } مخافةً وخشيةً لا معصية ومخالفة ، وكان العَرض تخييراً لا إلزاماً { وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } واختلفوا في الأمانة ، فقال أكثر المفسّرين : هي الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عَرَضها على السماوات والأرض والجبال ، إنْ أدّوها أثابهم وإنْ ضيّعوها عذّبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيماً لدين الله أن لا يقوموا بها وقالوا : لا ، نحن مسخّرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً .
فقال الله تعالى لآدم : إنّي عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها ، فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا ربّ وما فيها ؟ قال : إنْ أحسنت جُزيت ، وإنْ أسأت عوقبت ، فتحمّلها آدم صلوات الله عليه وقال : بين أُذني وعاتقي ، فقال الله تعالى : أمّا إذا تحمّلت فسأُعينك فاجعل لبصرك حجاباً ، فإذا خشيت أنْ تنظر إلى ما لايحلّ لك فأرخِ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلقاً ، فإذا خشيت فاغلق ، واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرَّمتُ عليك .
قالوا : فما لبث آدم إلاّ مقداراً ما بين الظهر والعصر حتى أُخرج من الجنّه . وقال مجاهد : الأمانة الفرائض وحدود الدين . وأبو العالية : هي ما أُمروا به ونُهوا عنه . وقال زيد بن أسلم وغيره : هي الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من شرائع الدين .
أنبأني عقيل بن محمد ، عن المعافى بن زكريا ، عن محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن خالد العسقلاني عن عبد الله بن عبد المجيد الحنفي قال : أخبرنا أبو العوام القطان عن قتادة وأبان بن أبي عبّاس عن خليد العصري عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : خمس مَنْ جاء بهنّ يوم القيامة مع إيمان دخل الجنّة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهنّ ومواقيتهنّ ، وأعطى الزكاة من ماله عن طيب نفس وكان يقول : [ وأيم ] الله لا يفعل ذلك إلاّ مؤمن وأدّى الأمانة .
قالوا : يا أبا الدرداء ، وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة . قال : الله عزّ وجلّ لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيره .
وبه عن ابن جرير عن ابن بشّار ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن أُبيّ بن كعب قال : من الأمانة أنّ المرأة أُئتمنت على فرجها .
وقال عبد الله بن عمر بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه ، وقال : هذه أمانة استودعتكها . فالفرج أمانة ، والأُذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .
وقال بعضهم : هي أمانات الناس ، والوفاء بالعهد ، فحق على كل مؤمن ألاّ يغش مؤمناً ، ولا معاهداً في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، وقال السدي بإسناده : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده ، وخيانته إياه في قتل أخيه وذكر القصة إلى أن قال : قال الله عز وجل لآدم : يا آدم هل تعلم أنّ لي في الأرض بيتاً ؟ قال : اللهم لا .
قال : فإن لي بيتاً بمكة فأته . فقال آدم للسماء : " احفظي ولدي بالأمانة " ، فأبت ، وقال للأرض فأبت ، وقال للجبال فأبت ، وقال لقابيل فقال : نعم تذهب وترجع تجد أهلك كما يسرك . فانطلق آدم ( عليه السلام ) ، فرجع وقد قتل قابيل هابيل ، فذلك قوله عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ } يعني قابيل حين حمل أمانة آدم ثم لم يحفظ له أهله .
وقال الآخرون : { وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } يعني آدم . ثم اختلفت عباراتهم في معنى ( الظلوم ) و( الجهول ) ؛ فقال ابن عباس والضحاك : { ظَلُوماً } لنفسه { جَهُولاً } غِرّاً بأمر الله وما احتمل من الأمانة . قتادة : { ظَلُوماً } للأمانة { جَهُولاً } عن حقها . الكلبي : { ظَلُوماً } حين عصى ربه ، { جَهُولاً } لا يدري ما العقاب في تركه الأمانة . الحسين بن الفضل : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } عند الملائكة لا عند الله .
{ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.