جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٖ وَرَٰعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنٗا فِي ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (46)

{ من الذين هادوا } بيان للذين أوتوا أو لأعدائكم أو صلة نصيرا أي : ينصركم من الذين ، أو خبر مبتدأ تقديره : من الذين هادوا قوم { يُحرّفون الكلِم{[1024]} عن مواضعه{[1025]} } يميلونه عن مواضعه التي أثبته الله فيها بإزالته وإثبات غيره فيها ، أو يفسرونه بغير مراد الله على مقتضى هواهم { ويقولون سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك { واسمع غير مُسمَع } أي : اسمع ما نقول لا سمعت ، فهو حال من المخاطب أي : مدعوا عليك بلا سمعت ، أو اسمع غير مسمع ما ترضى قيل : قولهم وعصينا وغير مسمع قول سرهم { وراعِنا ليًّا } فتلا { بألسنتهم وطعنا في الدين } أي : يوهمون أنهم يقولون : أرعنا{[1026]} سمعك وإنما يريدون الرعونة أو السب بلغتهم { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظُرنا لكان خيرا لهم وأقوم } أي : لو ثبت هذا مكان ما قالوه لكان قولهم ذلك خيرا وأعدل لهم { ولكن لعنهم الله بكفرهم } فلا يهتدون إلى خيرهم { فلا يؤمنون } إيمانا{[1027]} { قليلا } لا ينفعهم أو إلا قليلا منهم فهو استثناء من مفعول{[1028]} لعنهم المرتب عليه فلا يؤمنون فليس المختار فيه الرفع .


[1024]:الكلم يفرق بينه وبين الواحد بالتاء، وغلب إطلاق الكلم على الكثير بحيث لا يطلق على الواحد لكن ليس بجمع لما يقال: الكلم الطيب، ورجوع ضمائر المفرد إليه/12 وجيز. قال الرازي في الكبير: في كيفية التحريف وجوه أحدها أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر إلى أن قال: والثاني أن المراد بالتحريق إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم وهذا الأصح/12.
[1025]:قال الحافظ ابن القيم في إغاثة اللهفان: وقد اختلف العلماء هل التوراة مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل على ثلاثة أقوال قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل، وغلا بعضهم حتى قال: بجواز الاستجمار بها، وقالت طائفة من أئمة الفقه والحديث والكلام، إنما وقع التبدل في التأويل، قال البخاري في صحيحه: يحرفون يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله ولكنهم يتأولونه على غير تأويله هو اختيار الرازي، وتوسطت طائفة فقالوا: قد زيد فيها وقد غير أشياء يسيرة جدا واختاره شيخنا في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح قال: وهذا كما في التوراة عندهم أن الله سبحانه قال لإبراهيم: اذبح ابنك بكرك ووحيدك إسحاق، قلت: والزيادة باطلة من وجوه عشرة: الأول أن بكره ووحيده إسماعيل باتفاق الملل الثلاث إلى آخر ما بين الوجوه العشرة/12 فتح.
[1026]:أي: اصرف سمعك إلى كلامنا وأنصت لحديثنا وتفهم/12 كبير.
[1027]:هو إيمانهم ببعض الكتاب/12.
[1028]:يعني: لو كان استثناء من فاعل لا يؤمنون يكون اتفاق القراء على غير المختار مع أن المراد من فاعل لا يؤمنون الملعونون، والقليل الذين آمنوا ليسوا منهم يعني: لو كان استثناء من فاعل لا يؤمنون فيكون الرفع فيه هو المختار مع أن المراد من فاعل لا يؤمنون الملعونون، والقليل الذين آمنوا ليسوا من الملعونين، فلا يجوز أن يكون مستثنى منه/12.