الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٖ وَرَٰعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنٗا فِي ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (46)

مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ } ، فإنّ شئت جعلتها متصلة بقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ } { مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ } ، وإنّ شئت جعلتها منقطعة عنها مستأنفة ، ويكون المعنى : من الذين هادوا مَن يحرّفون ، كقوله :

{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] اي من له مقام معلوم ، وقال ذو الرمّة :

فظلوا ومنهم دمعُهُ سابق له *** وآخر يذري دمعة العين بالمهل

يريد : ومنهم من دمعه .

{ يُحَرِّفُونَ } يغيّرون ، { الْكَلِمَ } وقال علي بن أبي طالب( رضي الله عنه ) : " الكلام عن مواضعه ، يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وآية الرجم " ، وقال ابن عباس : " كان اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر فيخبرهم ، ويرى أنّهم يأخذون بقوله ، فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه . { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي غير مقبول منك ، وقيل : هو مثل قولهم : اسمع لا سمعت .

{ وَرَاعِنَا } : وارعنا ، وقد مضت القصة في سورة البقرة ، { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً } قدحاً { فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا } مكان راعنا { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أصوب وأعدل ، { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً *