فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٖ وَرَٰعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنٗا فِي ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (46)

{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه } من اليهود طائفة- وما أكثرها- يبدلون ويغيرون الكلام عن أماكنه ووجوهه التي هي وجوهه ، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل زورا منهم وافتراء ؛ { ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } عن ابن عباس : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اسمع لا سمعت ، وهم يظهرون أنهم يريدون : . . غير مستمع مكروها ولا أذى ؛ وعن مجاهد : قالت اليهود : سمعنا ما تقول ولا نطيعك ؛ وقال ابن زيد : قال : { راعنا } طعنهم في الدين ، وليهم بألسنتهم ليبطلوه ويكذبوه ، قال : والراعن : الخطأ من الكلام ؛ ويقول الألوسي : { راعنا } عطف على ما قبله ، أي : ويقولون أيضا في أثناء خطابهم له صلى الله عليه وسلم هذا ، وهو ذو وجهين كسابقه ، فاحتماله للخير على معنى : أمهلنا وانظر إلينا ، . . ، واحتماله للشر بحمله على السب ، ففي التيسير : إن راعنا بعينه مما يتسابون به ، وهو للوصف بالرعونة ، . . . ، وقيل : بل كانوا يشبعون كسر العين ، ويعنون- لعنهم الله تعالى –أنه- وحاشاه صلى الله عليه وسلم- بمنزله خدمهم ورعاة غنمهم ، . . . ، { ليا بألسنتهم } اللي يكون بمعنى الانحراف . . والانعطاف عن جهة إلى أخرى ، . . . ، والمراد هنا : إما صرف الكلام من جانب الخير إلى جانب الشر ، وإما ضم أحد الأمرين إلى الآخر ، . .

{ وطعنا في الدين } أي : قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية ، . . ، { ولو أنهم } عندما سمعوا شيئا من أوامر الله تعالى ونواهيه { قالوا } بلسان المقال ، كما هو الظاهر ، أو : به وبلسان الحال ، كما قيل : { سمعنا } سماع قبول ، . . { وأطعنا } مكان قولهم : { عصينا } ، { واسمع } بدل قولهم : { اسمع غير مسمع } { وانظرنا } بدل قولهم : { راعنا } { لكان } قولهم هذا { خيرا لهم } وأنفع من قولهم ذلك { وأقوم } أي : أعدل في نفسه ، . . .

{ ولكن لعنهم الله بكفرهم } أي : ولكن لم يقولوا الأنفع والأقوم ، واستمروا على ذلك ، فخذلهم الله تعالى ، وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم { فلا يؤمنون } بعد { إلا قليلا } . . . ، إلا فريقا قليلا منهم ، فإنه سبحانه لم يلعنهم ؛ فلهذا آمن من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام وأضرابه ، . . . ، وقيل : إنه صفة مصدر محذوف ، أي : إلا إيمانا قليلا ، . . . وجوز على هذا الوجه أن يراد بالقلة العدم . . ا ه .