معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

وقوله : { وَيْكَأَنَّ اللَّهَ82 } في كلام العرب تقرير . كقول الرجل : أَما ترى إلى صُنع الله . وأنشدني :

وَيْكأنْ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُح *** بَبْ وَمَنْ يَفْتقِر يعش عيشَ ضُرّ

قال الفراء : وأخبرني شيخ من أهْل البصرة قال : سَمعت أعرابيَّة تقول لزوجها : أين ابنكَ ويْلكَ ؟ فقال : وَيْكأنّهُ وراء البيت . مَعْناه : أَما ترينه وراء البيت . وقد يذهب بعض النحوّيينَ إلى أنهما كلمتان يريد وَيْكَ أَنَّه ، أراد ويلكَ ، فحذف اللام وجعل ( أنّ ) مفتوحةً بفعلٍ مضمرٍ ، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت ، فأضمر ( اعْلم ) . ولم نجد العرب تُعمل الظنّ والعلم بإضمارٍ مضمرٍ في أَنَّ . وذلك أنه يبطل إذا كان بين الْكَلِمَتَين أو في آخِرِ 141 ب الكلمة ، فلما أضمره جرى مَجْرى الترك ؛ أَلاَ ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول : يا هَذَا أنكَ قائم ، ولا يا هذا أنْ قمت تريد : علِمت أو أعلمُ أو ظننت أو أظنّ . وأما حذف اللام مِنْ ( ويْلك ) حَتى تصير ( ويك ) فقد تقوله العرب لكثرتها في الكلام قَالَ عنترة :

ولقد شفي نفسي وَأبرأ سُقمها *** قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدِم

وقد قال آخرونَ : أن معنى ( وَيْ كأنَّ ) أَنّ ( وَيْ ) منفصلة من ( كأنّ ) كقولك للرجل : وَيْ ، أما ترى ما بين يديكَ ، فقال : وَيْ ، ثم استأنف ( كأنّ ) يعنى { ْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ } وهي تعجّب ، و ( كأنَّ ) في مذهب الظنّ والعلم . فهذا وجه مُستقيم . ولم تكتبها العرب منفصلةً ، ولو كانت على هذا لكتبوها منفصِلةً . وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام فوُصِلت بما ليست منه ؛ كما اجتمعَت العرب على كتاب { يا بْنَ أُمَّ } { يا بْنَؤُمَّ } قال : وكذا رأيتها في مُصْحف عَبْد الله . وهي في مصاحفنا أيضاً .

وقوله : { لَخَسَفَ بِنا82 } قراءة العامة ( لَخُسِفَ ) وقد قرأها شَيْبة والحسن - فيما أعْلم - ( لخَسَفَ بنا ) وهي في قراءة عبد الله ( لانْخُسِف بِنا ) فهذا حُجّةٌ لمن قرأ { لخُسِفَ } .