الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

ثم قال : { وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأنه الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر }[ 82 ] ، أي قال الذين قالوا : { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون }[ 79 ] ، لما أن خسف به ، وبداره ، وأمواله { ويكأنه الله }[ 82 ] .

قال الخليل ، وسيبويه ، والأخفش والكسائي : في { ويكأنه } : إن القوم تنبهوا أو انتبهوا فقالوا : وي .

والمتندم من العرب يقول في حال تندمه : وي .

قال الخليل : هي " وي " مفصولة من كأن{[54273]} .

والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم أو ما يشبه أن يكون ذلك عندهم هكذا . فالمعنى على هذا القول أن القوم تندموا على سلف من قولهم : { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون }[ 79 ] الآية .

ومن شأن المتندم إذا أظهر ندامته أن يقول " وي " فالقوف{[54274]} على هذا المعنى " وي " {[54275]} .

وقال المفسرون : معناها : ألم تر{[54276]} .

وحكى الفراء{[54277]} : أن أصلها " ويلك " ثم حذفت اللام ، فيكون الوقف{[54278]} .

" ويك " ، وهذا بعيد عند كل النحويين ، لأن القوم لم يخاطبوا أبدا ، ويلزم على قوله أن تكون أن مكسورة إذ لا شيء يفتحها مع أن حذف اللام من " ويلك " غير معروف . وقدره بعض من يقول بقول الفراء " ويلك " إعلم أنه وهو بعيد لما ذكرنا ، ولأن العرب لا تعلم العلم مضمرا .

وقال بعض الكوفيين : فيه معنى التقرير : ومعناه : أما تروا أنه لا يفلح{[54279]} .

وحكي : أنه سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك ؟ فقال لها : ويكأنه وراء البيت ، على معنى أما ترى أنه وراء البيت{[54280]} ؟

وحكى يونس عن العرب : وي ما أغفله .

وحكى قطرب{[54281]} : " وي " لأمه .

وقال معمر : معناه : أو لا يعلم أنه لا يفلح .

فالمعنى : أن القوم لما عاينوا ما نزل بقارون ، قالوا : ألم تر أنه لا يفلح من كفر نعم الله ، ألم تر أن { الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده } ويضيقه على من يشاء ، ليس يعطي أحد الفضل فبه ولا يمنع أحد لنقص فيه ، بل يوسع على من يشاء ، ويضيق على من يشاء .

وكتبت " ويكأن " متصلة لكثرة الاستعمال ، كما كتبوا يا ابن أم متصلة{[54282]} .

وروي{[54283]} عن الكسائي{[54284]} : أنه يقف{[54285]} " وي " ويبتدئ كأن .

وحكي عن أب عمرو{[54286]} : أنه يقف " ويك " . والمستعمل وصل ذلك اتباعا للمصحف ، ولا يوقف{[54287]} على بعضه دون بعض .


[54273]:"وقد اختلف النحاة في معنى قوله ههنا" ويكأن، فقال بعضهم: معناه ويلك إعلم أن ولكن خفف، فقيل ويك ودل فتح أن على حذف إعلم، وهذا القول ضعفه ابن جرير، والظاهر أنه قوي، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة ويكأن. والكتابة أمر وضعي اصطلاحي، والمرجع إلى اللفظ العربي والله أعلم. وقيل: معناها ويكأن أي ألم تر أن، قاله قتادة. وقيل: معناه: وي كأن ففصلها وجعل حرف "وي" للتعجب، أو للتنبيه، وكأن بمعنى أظن وأحتسب. انظر: ابن كثير3/387.
[54274]:انظر: منار الهدىص213.
[54275]:انظر: المحتسب2/155.
[54276]:قاله قتادة، انظر: ابن جرير20/120، وابن كثير 5/303.
[54277]:انظر: معاني الفراء2/312.
[54278]:انظر: المحتسب2/155.
[54279]:انظر: ابن جرير20/121.
[54280]:انظر المصدر السابق.
[54281]:هو محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي، الشهير بقطرب، نحوي، عالم بالأدب واللغة، من أهل البصرة. وقطرب: لقب دعاه به أستاذه (سيبويه) فلزمه. انظر: وفيات الأعيان1/494، وتاريخ بغداد3/298، وكشف الظنون 1586، والأعلام7/315.
[54282]:هنا ينتهي السقط المشار إليه سابقا، وهو مقدار ست صفحات.
[54283]:ز: حكي.
[54284]:انظر: المحتسب2/156، وقد أنكره عليه ابن جني.
[54285]:انظر: منار الهدى ص213.
[54286]:انظر: المحتسب2/156.
[54287]:ز: يقف.