محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

{ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } أي من شقي وسعيد { وَيَقْدِرُ } أي يقبض . فلا دلالة في البسط على السعادة . ولا في القبض على الشقاوة . بل يفعل سبحانه كل واحد من البسط والقدر بمحض مشيئته ، لا لكرامة توجب البسط ، ولا لهوان يقتضي القبض { لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي بعدم إيتائه متمنانا { لَخَسَفَ بِنَا } أي كما خسف به { وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } أي لنعمة الله ، في صرفها في غير سبيلها . أو المكذبون برسله اغترارا بزخارفهم .

فائدة :

في { ويكأن } مذاهب :

الأول – أن ( وي ) كلمة برأسها . وهي اسم فعل ، معناها أعجب . أي أنا . والكاف للتعليل . و ( أن ) وما في حيزها مجرورة بها . أي أعجب لأن الله يبسط الرزق إلخ . وقياس هذا القول أن يوقف على ( وي ) وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي .

الثاني – أنه مركب من ( وي ) للتعجب و ( كأن ) للتشبيه . والمعنى : ما أشبه الأمر أن الله يبسط . أي ما أشبه أمر الدنيا والناس مطلقا إلى آخر ، أمر قارون وما شوهد من قصته . والأمر مأخوذ من الضمير . فإنه للشأن . والمراد من تشبيه الحال بهذه الحال ، أنه لتحققه وشهرته ، يصلح أن يشبه به كل شيء . كما أشار إليه في ( الكشف ) .

الثالث – قال بعضهم : ( كأن ) هنا للتشبيه . إلا أنه ذهب منها معناه . وصارت للخبر واليقين . وهذا أيضا يناسبه الوقف على ( وي ) .

الرابع – زعم الهمداني في ( الفرائد ) أن مذهب سيبويه والخليل أن ( وي ) للتندم . و ( كأن ) للتعجب . والمعنى : ندموا متعجبين في أن الله يبسط إلخ .

قال الشهاب : وكون ( كأن ) للتعجب ، لم يعهد .

الخامس – ذهب الكوفيون إلى أنه مركب من ( ويك ) بمعنى ( ويلك ) فخفف بحذف اللام . والعامل في ( أن ) اعلم . المقدر . والكاف على هذا ضمير في محل جر . وهذا يناسب الوقف على الكاف . وقد فعله أبو عمرو .

السادس – أن ( ويك ) كلمة برأسها . والكاف حرف خطاب . ويقرب هذا مما قبله . قال أبو البقاء : وهو ضعيف لوجهين : أحدهما – أن معنى الخطاب هنا بعيد . والثاني – أن تقدير ( وي ) اعلم ، لا نظير له ، وهو غير سائغ في كل موضع . انتهى .

السابع – أن { ويكأن } كلها كلمة مستقلة بسيطة . ومعناها ألم تر . وربما نقل ذلك عن ابن عباس . ونقل الفراء والكسائي أنها بمعنى ( أما ترى إلى صنع الله ) وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى ( رحمة لك ) في لغة حمير . ولم يرسم في القرآن إلا { ويكأن } و { ويكأنه } متصلة في الموضعين . فعامة القراء اتبعوا الرسم . والكسائي وقف على { وي } وأبو عمرو على ( ويك ) .

وهذا ما يستفاد من ( حواشي القاضي والسمين ) . وعندي أنها مركبة من ( وي ) للتعجب و ( كأن ) التي للتحقيق وهو أحد معانيها المعروفة . والوقف على ( وي ) . ولا يشكل على ذلك كتابتها في المصاحف متصلة ، لأن الكتابة – كما قال ابن كثير – أمر وضعي اصطلاحي ، والمرجع إلى اللفظ العربي .

وقد اتفق اللغويون على أن ( وي ) كلمة تعجب . يقال ( ويك ) و ( وي لزيد ) وتدخل على ( كأن ) المخففة والمشددة . ومن شواهد الأولى قول الشاعر :

سالتاني الطلاق أن رأتاني *** قل مالي . قد جئتماني بنكر

وي كأن من يكن له نشب يح *** بب ومن يفتقر يعش عيش ضر

وهذا البيت مما يدل على ما استظهرته ، بله الاستعمال إلى هذه الأجيال .

قال ابن كثير : وقد ذكر ها هنا إسرائيليات ، أضربنا عنها صفحا . ونحن تأسينا به ، بل فقناه في الإضراب عن كثير من مرويه ، الموقوف والضعيف الذي سودت به الصحف .