روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

{ وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ } أي مثل مكانه ومنزلته لما تقدم من قولهم { مثل ما أوتي } [ القصص : 79 ] ، وجوز كون هذا على ظاهره و { مَثَلُ } هناك مقحمة وليس بذاك { بالأمس } منذ زمان قريب وهو مجاز شائع ، وجوز حمله على الحقيقة والجار والمجرور متعلق بتمنوا أو بمكانه ، قيل : والعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب في { فَخَسَفْنَا } [ القصص : 81 ] يدل عليه .

وفي البحر دل أصبح إذا حمل على ظاهره على أن الخسف به وبداره كان ليلاً وهو أفظع العذاب إذ الليل مقر الراحة والسكون ، وقال بعضهم : هي بمعنى صار أي صار المتمنون .

{ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } أي يفعل كل واحد من البسط والقدر أي التضييق والقتر لا لكرامة توجب البسط ولا لهوان يوجب التضييق ، ووي عند الخليل وسيبويه اسم فعل ومعناها أعجب وتكون للتحسر والتندم أيضاً كما صرحوا به ، وعن الخليل أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم { وى } وكل من ندم وأراد اظهار ندمه قال { وى } ، ولعل الأظهر إرادة التعجب بأن يكونوا تعجبوا أو لا مما وقع وقالوا ثانياً كأن الخ وكأن فيه عارية عن معنى التشبيه جيء بها للتحقيق كما قيل ذلك في قوله :

وأصبح بطن مكة مقشعرا *** كأن الأرض ليس بها هشام

وأنشد أبو علي :

كأنني حين أمسى لا تكلمني *** متيم يشتهي ما ليس موجوداً

وقيل : هي غير عارية عن ذلك ، والمراد تشبيه الحال المطلق بما في حيزها إشارة إلى أنه لتحققه وشهرته يصلح أن يشبه به كل شيء وهو كما ترى وزعم الهمداني أن الخليل ذهب إلى أن { وى } للتندم وكأن للتعجب والمعنى ندموا متعجبين في أن الله تعالى يبسط الخ ، وفيه أن كون كأن للتعجب مما لم يعهد ، وأياً ما كان فالوقف كما في البحر على { وى } والقياس كتابتها مفصولة وكتبت متصلة بالكاف لكثرة الاستعمال وقد كتبت على القياس في قول زيد بن عمرو بن نفيل :

وي كأن من يكن له نشب يح *** بب ومن يفتقر يعش عيش ضر

وقال الأخفش : الكاف متصلة بها وهي اسم فعل بمعنى أعجب ، والكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب كما قالوا في ذلك ونحوه ، والوقف على ويك ، وعلى ذلك جاء قول عنترة :

ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

و { إن } عنده مفتوحة الهمزة بتقدير العلم أي أعلم أن الله الخ ، وذهب الكسائي . ويونس . وأبو حاتم وغيرهم إلى أن أصله ويلك فخفف بحذف اللام فبقي ويك ، وهي للردع والزجر والبعث على ترك ما لا يرضى ، وقال أبو حيان : هي كلمة تحزن وأنشد في التحقيق قوله :

ألاويك المضرة لا تدوم *** ولا يبقى على البؤس النعيم

والكاف على هذا في موضع جر بالإضافة ، والعامل في أن فعل العلم المقدر كما سمعت أو هو بتقدير لأن على أنه بيان للسبب الذي قيل لأجله ويك ، وحكى ابن قتيبة عن بعض أهل العلم أن معنى ويك رحمة لك بلغة حمير ، وقال الفراء : ويك في كلام العرب كقول الرجل : ألا ترى إلى صنع الله تعالى شأنه ، وقال أبو زيد وفرقة معه : وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويكأن حرف واحد بجملته وهو بمعنى ألم تر .

{ لَوْلا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا } بعدم اعطائه تعالى ما تمنيناه من إعطائنا مثل ما أعطاه قارون { لَخَسَفَ بِنَا } أي الأرض كما خسف به أو لولا أن من الله تعالى علينا بالتجاوز عن تقصيرنا في تمنينا ذلك لخسف بنا جزاء ذلك كما خسف به جزاء ما كان عليه . وقرأ الأعمش { لَوْلاَ من } بحذف { أن } وهي مرادة ، وروي عنه من الله برفع من والإضافة .

وقرأ الأكثر { لَخَسَفَ بِنَا } على البناء للمفعول و { بِنَا } هو القائم مقام الفاعل ، وجوز أن يكون ضمير المصدر أي لخسف هو أي الخسف بنا على معنى لفعل الخسف بنا ، وقرأ ابن مسعود . وطلحة . والأعمش { لا نَخْسِفْ } على البناء للمفعول أيضاً و { بِنَا } أو ضمير المصدر قائم مقام الفاعل ، وعنه أيضاً { لتخسف } بتاء وشد السين مبنياً للمفعول { بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون } لنعمة الله تعالى أو المكذبون برسله عليهم السلام وبما وعدوا من ثواب الآخرة ، والكلام في ويكأن هنا كما تقدم بيد أنه جوز هنا أن يكون لأن على بعض الاحتمالات تعليلاً لمحذوف بقرينة السياق أي لأنه لا يفلح الكافرون فعل ذلك أي الخسف بقارون ، واعتبار نظيره فيما سبق دون اعتبار هذا هنا ، وضمير ويكأنه للشأن .

هذا وفي مجمع البيان أن قصة قارون متصلة بقوله تعالى : { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى } [ القصص : 3 ] عليه السلام ، وقيل : هي متصلة بقوله سبحانه : { فَمَا أُوتِيتُمْ مّن شَىْء فمتاع الحياة الدنيا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى } [ القصص : 60 ] ، وقيل : لما تقدم خزى الكفاء وافتضاحهم يوم القيامة ذكر تعالى عقيبه أن قارون من جملتهم وأنه يفتضح يوم القيامة كما افتضح في الدنيا ، ولما ذكر سبحانه فيما تقدم قول أهل العلم { ثَوَابُ الله خَيْرٌ } [ القصص : 80 ] ذكر محل ذلك الثواب بقوله عز وجل : { تِلْكَ الدار الآخرة }