الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

قوله : { وَيْكَأَنَّ اللَّهَ } : و " ويْكَأنَّه " فيه مذاهبُ منها : أنَّ " وَيْ " كلمةٌ برأسِها وهي اسمُ فعلٍ معناها أَعْجَبُ أي أنا . والكافُ للتعليل ، وأنَّ وما في حَيِّزها مجرورةٌ بها أي : أَعْجب لأنه لا يفلحُ الكافرون ، وسُمِع " كما أنه لا يَعْلَمُ غفر اللهُ له " . وقياسُ هذا القولِ أَنْ يُوْقَفَ على " وَيْ " وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائيُّ . إلاَّ أنه يُنْقل عنه أنه يُعتقدُ في الكلمةِ أنَّ أصلَها : وَيْلَكَ كما سيأتي ، وهذا يُنافي وَقْفَه . وأنشد سيبويه :

وَيْ كأنْ مَنْ يكنْ له نَشَبٌ يُحْ *** بَبْ ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ

الثاني : قال بعضهم : قوله : " كأنَّ " هنا للتشبيه ، إلاَّ أنه ذهب منها معناه ، وصارت للخبرِ واليقين . وأنشد :

كأنني حين أُمْسِي لا تُكَلِّمُني *** مُتَيَّمٌ يَشْتهي ما ليس موجودا

وهذا أيضاً يناسِبُه الوقفُ على " وَيْ " .

الثالث : أنَّ " وَيْكَ " كلمةٌ برأسِها ، والكافَ حرفُ خطابٍ ، و " أنَّ " معمولٌه محذوفٌ أي : أعلمُ أنه لا يُفْلِحُ . قاله الأخفش . وعليه قولُه :

ألا وَيْكَ المَسَرَّةُ لا تَدُوْمُ *** ولا يَبْقى على البؤسِ النعيمُ

وقال عنترةُ :

ولقد شَفَى نفسي وأَبْرَأَ سُقْمَها/ *** قيلُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَ أَقْدمِ

وحقُّه أَنْ يقفَ على " وَيْكَ " وقد فعله أبو عمرو بن العلاء .

الرابع : أنَّ أصلَها وَيْلك فحذف . وإليه ذهب الكسائيُّ ويونس وأبو حاتم . وحقُّهم أَنْ يقفوا على الكافِ كما فعل أبو عمرٍو . ومَنْ قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين ؛ فإنه يُحتمل أَنْ يكونَ الأصلُ فيهما : وَيْلَكَ ، فحذف . ولم يُرسَمْ في القرآن إلاَّ : وَيْكأنَّ ، ويْكَأنَّه متصلةً في الموضعين ، فعامَّةُ القراءِ اتَّبعوة الرسمَ ، والكسائيُّ وقف على " وَيْ " ، وأبو عمرٍو على وَيْكَ . وهذا كلُّه في وَقْفِ الاختبارِ دونَ الاختيارِ كنظائرَ تقدَّمَتْ .

الخامس : أنَّ " وَيْكأنَّ " كلَّها كلمةٌ متصلةٌ بسيطةٌ ، ومعناها : ألم تَرَ ، ورُبَّما نُقِل ذلك عن ابن عباس . ونَقَلَ الكسائيُّ والفراء أنها بمعنى : أما ترى إلى صُنْعِ الله . وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى : رَحْمَةً لك ، في لغة حِمْير .

قوله : { لَوْلا أَن مَّنَّ } قرأ الأعمشُ " لولا مَنَّ " بحذفِ " أنْ " وهي مُرادةٌ ؛ لأنَّ " لولا " هذه لا يَليها إلاَّ المبتدأُ . وعنه " مَنُّ " برفع النونِ وجَرِّ الجلالةِ وهي واضحةٌ .

قوله : { لَخَسَفَ } حفص : " لَخَسَفَ " مبنياً للفاعل أي : الله تعالى . والباقون ببنائِه للمفعولِ . و " بنا " هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ . وعبد الله وطلحةُ " لا نْخُسِفَ بنا " أي : المكان . وقيل : " بنا " هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ ، كقولك " انقُطِع بنا " وهي عبارةٌ . . . وقيل : الفاعلُ ضميرُ المَصدرِ أي : لا نخسَفَ الانخسافَ ، وهي عِيٌّ أيضاً . وعن عبدِ الله " لَتُخُسِّفَ " بتاءٍ من فوقُ وتشديدِ السين مبنياً للمفعولِ ، و " بنا " قائمةٌ مقامَه .