البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (82)

{ وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس } : بدل ، وأصبح ، إذا حمل على ظاهره ، أن الخسف به وبداره كان ليلاً ، وهو أفظع العذاب ، إذ الليل مقر الراحة والسكون ، والأمس يحتمل أن يراد به الزمان الماضي ، ويحتمل أن يراد به ما قبل يوم الخسف ، وهو يوم التمني ، ويدل عليه العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب في قوله : { فخسفنا } ، فيكون فيه اعتقاب العذاب خروجه في زينته ، وفي ذلك تعجيل العذاب .

ومكانه : منزلته في الدنيا من الثروة والحشم والأتباع .

و : وي ، عند الخليل وسيبويه : اسم فعل مثل : صه ومه ، ومعناها : أعجب .

قال الخليل : وذلك أن القوم ندموا فقالوا : متندمين على ما سلف منهم : وي ، وكل من ندم فأظهر ندامته قال : وي .

وكأن : هي كاف التشبيه الداخلة على أن ، وكتبت متصلة بكاف التشبيه لكثرة الاستعمال ، وأنشد سيبويه :

وي كأن من يكن له نشب يح *** سبب ومن يفتقر يعش عيش ضر

والبيت لزيد بن عمرو بن نفيل .

وحكى الفراء أن امرأة قالت لزوجها : أين ابنك ؟ فقال : ويكأنه وراء البيت ، وعلى هذا المذهب يكون الوقف على وي .

وقال الأخفش : هي ويك ، وينبغي أن تكون الكاف حرف خطاب ، ولا موضع له من الإعراب ، والوقف عليه ويك ، ومنه قول عنترة :

ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر اقدم

قال الأخفش : وأن عنده مفتوح بتقدير العلم ، أي أعلم أن الله ، وقال الشاعر :

ألا ويك المضرة لا تدوم *** ولا يبقى على البؤس النعيم

وذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم وغيرهم إلى أن أصله ويلك ، فحذفت اللام والكاف في موضع جر بالإضافة .

فعلى المذهب الأول قيل : تكون الكاف خالية من معنى التشبيه ، كما قيل : { ليس كمثله شيء } وعلى المذهب الثاني ، فالمعنى : أعجب لأن الله .

وعلى المذهب الثالث تكون ويلك كلمة تحزن ، والمعنى أيضاً : لأن الله .

وقال أبو زيد وفرقة معه : ويكأن ، حرف واحد بجملته ، وهو بمعنى : ألم تر .

وبمعنى : ألم تر ، قال ابن عباس والكسائي وأبو عبيد .

وقال الفراء : ويك ، في كلام العرب ، كقوله الرجل : أما ترى إلى صنع الله ؟ وقال ابن قتيبة ، عن بعض أهل العلم أنه قال : معنى ويك : رحمة لك ، بلغة حمير .

ولما صدر منهم تمني حال قارون ، وشاهدوا الخسف ، كان ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا ، وداعياً إلى الرضا بقدر الله ، فتنبهوا لخطئهم فقالوا : وي ، ثم قالوا : { كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده } ، بحسب مشيئته وحكمته ، لا لكرامته عليه ، ويضيق على من يشاء ، لا لهوانه ، بل لحكمته وقضائه ابتلاء .

وقرأ الأعمش : لولا منّ الله ، بحذف أن ، وهي مزادة .

وروي عنه : منّ الله ، برفع النون والإضافة .

وقرأ الجمهور : لخسف مبنياً للمفعول ؛ وحفص ، وعصمة ، وأبان عن عاصم ، وابن أبي حماد عن أبي بكر : مبنياً للفاعل ؛ وابن مسعود ، وطلحة ، والأعمش : لا نخسف بنا ، كقولك : انقطع بنا ، كأنه فعل مطاوع ، والمقام مقام الفاعل هو { بنا } .

ويجوز أن يكون المصدر : أي لا نخسف الانخساف ، ومطاوع فعل لا يتعدى إلى مفعول به ، فلذلك بني إما لبنا وإما للمصدر .

وعن ابن مسعود أيضاً : لتخسف ، بتاء وشد السين ، مبنياً للمفعول .