معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

وقوله : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتَا 56 }

أي افعَلوا وأنيبُوا وافعَلوا { أَن تَقُولَ نَفْسٌ } ألاّ يقول أحدكم غداً { يا حَسْرَتَا } ومثله قوله : { وَأَلْقَى في الأَرْضِ رَوَاسِي أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أي لا تميد .

وقوله : { يا حَسْرَتَا } : يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب اليَاء إلا الألف في كلّ كلام كان مَعْناه الاسْتغَاثة ، يخرج على لفظ الدعاء . وربّما قيل : يا حَسْرَتِ كما قَالوا : يا لهَفِ على فلانٍ ، ويا لهفَا عَلَيْهِ قَال : أنشدني أبو ثَرْوان العُكْليُّ .

تزورونها أَو لا أزور نِسَاءكم *** ألهَفِ لأولاد الإماء الحواطب

فخفضَ كما يُخفض المنادَى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه .

وربّما أدخلت العرب الهاء بعدََ الألفِ التي في { حسرتَا } فيخفضونها مَرة ، ويرفعُونها . قَالَ : أنشدني أبو فَقْعَس ، بعضُ بنى أسد :

يا ربِّ يا ربّاهِ إيّاك أسَلْ *** عَفراء يا ربّاهِ من قبل الأَجل

فخفض ، قال : وأنشدني أبُو فَقْعَسٍ :

يا مرحباهِ بحمار ناهِيْه *** إِذَا أتى قرّبته للسَّانية

والخفض أكثر في كلام العرب ، ألاّ في قولهم : يا هناه ويا هَنْتَاه ، فالرفع في هذا أَكثر من الخفض ؛ لأنه كَثُر في الكلام فكأنه حَرف واحِدٌ مدعوّ .