الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت . . . } الآيات . قال أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم ؟ قبل أن يعلموه { ولا ينبئك مثل خبير } [ فاطر : 14 ] { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } يقول[ ] المحلوقين { أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } يقول : من المهتدين . فأخبر الله سبحانه وتعالى : أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى قال الله تعالى { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون } [ الأنعام : 28 ] وقال { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرة } [ الأنعام : 110 ] قال : ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرة في الدنيا .

وأخرج آدم بن إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { على ما فرطت في جنب الله } قال : في ذكر الله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } قال : فلم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله . قال : هذا قول صنف منهم { أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين } قال : هذا قول صنف منهم آخر { أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } قال : لو رجعت إلى الدنيا قال : هذا قول صنف آخر . يقول الله رداً لقولهم وتكذيباً لهم { بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .

وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول { لو أن الله هداني } فيكون عليه حسرة ، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيحمد الله فيكون له شكراً ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما جلس قوم مجلساً لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة ، وإن كانوا من أهل الجنة يرون ثواب كل مجلس ذكروا الله فيه ولا يرون ثواب ذلك المجلس فيكون عليهم حسرة » .