الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ } يعني لأن لا تقول كقوله :

{ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ]

{ وَأَن تَصُومُواْ } [ البقرة : 184 ] ونحوهما .

{ يحَسْرَتَا } ياندامتا وحزني ، والتحسر الإغتمام على ما فات ، سُمّي بذلك لانحساره عن صاحبه بما يمنع عليه استدراكه وتلا في الأمر فيه ، والألف في قوله : ( ياحسرتا ) هي بالكناية للمتكلم وإنما أُريد ياحسرتي على الاضافة ، ولكن العرب تحوّل الياء التي هي كناية اسم المتكلم في الاستغاثة ألفاً فتقول : ياويلتا وياندامتا ، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء ، وربّما لحقوا بها الهاء .

أنشد الفراء :

يا مرحباه بحمار ناجية *** إذا أتى قربته للسانية

وربّما الحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة .

وكذلك قرأ أبو جعفر : يا حسرتاي .

{ عَلَى مَا فَرَّطَتُ } قصّرت { فِي جَنبِ اللَّهِ } قال الحسن : في طاعة الله . سعيد بن جبير : في حق الله في أمر الله . قاله مجاهد .

قال أهل المعاني : هذا كما يقال هذا صغير في جنب ذلك الماضي ، أي في أمره .

وقيل : في سبيل الله ودينه . والعرب تسمّي السبب والطريق الى الشيء جنباً تقول : تجرعت في جنبك غُصصاً وبلاءاً ، أي بسببك ولأجلك .

قال الشاعر :

أفي جنب بكر قطعتني ملامة *** لعمري لقد كانت ملامتها ثنى

وقال في الجانب الذي يؤدي إلى رضى الله تعالى وثوابه ، والعرب تسمّي الجانب جنباً .

قال الشاعر :

الناس جنب والأمير جنب

يعني الناس من جانب والأمير من جانب .

{ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } المستهزئين بدين الله تعالى وكتابه ورسوله والمؤمنين .

قال قتادة : في هذه الآية لم يكفه ان ضيع طاعة الله تعالى ، حتّى جعل يسخر بأهل طاعة الله .

أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا هارون بن محمّد حدثنا محمّد بن عبد العزيز حدثنا سلمة حدثنا أبو الورد الوزان عن إسماعيل عن أبي صالح : ( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) قال : كان رجل عالم في بني إسرائيل ترك علمه وأخذ في الفسق ، أتاه ابليس فقال له : لك عمر طويل فتمتع من الدُّنيا ثم تب .

فأخذ في الفسق ، وكان عنده مال فأنفق ماله في الفجور ، فأتاه مالك الموت في ألذّ ما كان .

فقال : من أنت ؟

فقال : أنا ملك الموت جئت لأقبض روحك .

فقال : ياحسرتي على مافرطت في جنب الله ، ذهب عمري في طاعة الشيطان وأسخطت ربّي .

فندم حين لم تنفعه الندامة ، قال : فأنزل الله سبحانه وتعالى خبره في القرآن .