فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يا حسرتي على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله } قال البصريون : أي حذراً أن تقول . وقال الكوفيون : لئلا تقول . قال المبرد : بادروا خوف أن تقول ، أو حذراً من أن تقول نفس . وقال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله . قيل : والمراد بالنفس هنا : النفس الكافرة . وقيل : المراد به التكثير كما في قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [ التكوير : 14 ] قرأ الجمهور : { يا حسرتا } بالألف بدلاً من الياء المضاف إليها ، والأصل : يا حسرتي ، وقرأ ابن كثير : " يا حسرتاه " بهاء السكت وقفا ، وقرأ أبو جعفر : " يا حسرتي " بالياء على الأصل . والحسرة : الندامة ، ومعنى { على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله } على ما فرّطت في طاعة الله ، قاله الحسن . وقال الضحاك : على ما فرّطت في ذكر الله ، ويعني به القرآن ، والعمل به . وقال أبو عبيدة : { فِى جَنبِ الله } أي في ثواب الله . وقال الفراء : الجنب القرب والجوار ، أي في قرب الله وجواره ، ومنه قوله : { والصاحب بالجنب } [ النساء : 36 ] ، والمعنى على هذا القول ، على ما فرّطت في طلب جنب الله ، أي : في طلب جواره ، وقربه ، وهو : الجنة ، وبه قال ابن الأعرابي ، وقال الزجاج : أي فرّطت في الطريق الذي هو : طريق الله من توحيده ، والإقرار بنبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا ، فالجنب بمعنى : الجانب ، أي : قصرت في الجانب الذي يؤدّي إلى رضا الله ، ومنه قول الشاعر :

* للناس جنب والأمير جنب *

أي الناس من جانب ، والأمير من جانب { وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين } أي وما كنت إلا من المستهزئين بدين الله في الدنيا ، ومحل الجملة النصب على الحال .

قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها .

/خ61