{ أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كانت لمن الساخرين ، } .
روي أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق ، أتاه إبليس فقال له : تمتع من الدنيا ثم تب ، فأطاعه وأنفق ماله في الفجور .
فأتاه ملك الموت في ألذ ما كان ، فقال : { ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله } ، وذهب عمري في طاعة الشيطان ، وأسخطت ربي ، فندم حين لا ينفعه ، فأنزل الله خبره .
{ أن تقول } : مفعول من أجله ، فقدره ابن عطية : أي أنيبوا من أجل أن تقول .
وقال الزمخشري : كراهة أن تقول ، والحوفي : أنذرناكم مخافة أن تقول ، ونكر نفس لأنه أريد بها بعض الأنفس ، وهي نفس الكافر ، أو أريد الكثير ، كما قال الأعشى :
ورب نفيع لو هتفت لنحوه *** أتاني كريم ينقض الرأسى مغضبا
يريد أفواجاً من الكرام ينصرونه ، لا كريماً واحداً ؛ أو أريد نفس متميزة من الأنفس بالفجاج الشديد في الكفر ، أو بعذاب عظيم .
قال هذه المحتملات الزمخشري ، والظاهر الأول .
وقرأ الجمهور : يا حسرتا ، بإبدال ياء المتكلم ألفاً ، وأبو جعفر : يا حسرتا ، بياء الإضافة ، وعنه : يا حسرتي ، بالألف والياء جمعاً بين العوض والمعوض ، والياء مفتوحة أو سانة .
وقال أبو الفضل الرازي في تصنيفه ( كتاب اللوامح ) : ولو ذهب إلى أنه أراد تثنية الحسرة مثل لبيك وسعديك ، لأن معناهما لب بعد لب وسعد بعد سعد ، فكذلك هذه الحسرة بعد حسرة ، لكثرة حسراتهم يومئذ ؛ أو أراد حسرتين فقط من قوت الجنة لدخول النار ، لكان مذهباً ، ولكان ألف التثنية في تقدير الياء على لغة بلحرث بن كعب . انتهى .
وقرأ ابن كثير في الوقف : يا حسرتاه ، بهاء السكت .
قال سيبويه : ومعنى نداء الحسرة والويل : هذا وقتك فاحضري .
والجنب : الجانب ، ومستحيل على الله الجارحة ، فإضافة الجنب إليه مجاز .
قال مجاهد ، والسدي : في أمر الله .
وقال الضحاك : في ذكره ، يعني القرآن والعمل به .
وقيل : في جهة طاعته ، والجنب : الجهة ، وقال الشاعر :
أفي جنب تكنى قطعتني ملامة *** سليمى لقد كانت ملامتها ثناء
ويقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته ؛ وفلان لين الجنب والجانب .
ثم قالوا : فرط في جنبه ، يريدون حقه .
أما تتقين الله في جنب عاشق *** له كبد حرى عليك تقطع
وهذا من باب الكناية ، لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه ، فقد أثبته فيه .
إن السماحة والمروءة والندى *** في قبة ضربت على ابن الحشرج
ومنه قول الناس : لمكانك فعلت كذا ، يريدون : لأجلك ، وكذلك فعلت هذا من جهتك .
وما في ما فرطت مصدرية ، أي على تفريطي في طاعة الله .
{ وإن كنت من الساخرين } ، قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها .
وقال الزمخشري : ومحل وإن كنت النصب على الحال ، كأنه قال : فرطت وأنا ساخر ، أي فرطت في حال سخريتي . انتهى .
ويظهر أنه استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا ، لا حال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.