واعلم أنه تعالى لما خوفهم بالعذاب بين أنهم بتقدير نزول العذاب عليهم ماذا يقولون ؟ فحكم تعالى عليهم بثلاثة أنواع من الكلام :
فالأول : ( قوله : أَنْ تَقُولَ ) {[47582]} مفعول من أجله فقدره الزمخشري : كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولَ{[47583]} ، ( وابن{[47584]} عطية : أنيبوا من أجل أن تقول{[47585]} ، وأبو البقاء{[47586]} والحَوْفيّ{[47587]} أَنْذَرْنَاكُمْ مَخَافَةَ أن تقول ) ولا حاجة إلى إضمار هذا العامل{[47588]} مع وجود «أَنِيبُوا » . وإنما نَكَّر نفساً لأنه أراد التكثير كقول الأعشى :
4304- وَرُبَّ بَقيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بِجَوِّهِ . . . أَتَّانِي كَرِيمٌ يَنْغضُ الرَّأْسَ مُغْضَبَا{[47589]}
يريد أتاني ( كرام{[47590]} كثيرون لا كريم فَذٌّ لمنافاته المعنى المقصود ، ويجوز أن يريد نفساً متميزة عن الأنفس ) باللجاج الشديد في الكفر والعذاب العظيم .
قوله : { يا حسرتا } العامة على الألف بدلاً من ياء الإضافة ، وعن ابن كثير : يَا حَسْرَتَاه بهاء{[47591]} السكت وَقْفاً وأبو جعفر يَا حَسْرَتي على الأصل{[47592]} ، وعنه أيضاً : يَا حَسْرتَايَ بالألف والياء{[47593]} . وفيها وجهان :
أحدهما : الجمع بين العِوَض والمُعَوَّضِ مِنْهُ{[47594]} .
والثاني : أنه تثنية «حَسْرَة » مضافة لياء المتكلم ، واعترض على هذا بأنه كان ينبغي أن يقال : يَا حَسْرَتَيَّ- بإدغام ياء النصب في ياء الإضافة - وأُجِيبَ : بأنه يجوز أن يكون راعى لغة الحَرْثِ بن كَعْب وغيرهم نحو : رَأَيْتُ الزَّيْدَانِ{[47595]} ، وقيل : الألف بدل من الياء والياء ( بعدها ){[47596]} مزيدة .
وقيل : الألف مزيدة بين المتضايفين{[47597]} وكلاهما ضعيف .
قوله : «عَلَى مَا فَرَّطت » ما مصدرية أي على تَفْريطي ، وثمَّ مضاف أي في جنب طاعة الله{[47598]} ، وقيل : في جنب الله المراد به الأمر والجِهَةُ يقال : هُوَ في جَنْبِ فُلاَنٍ وَجانِبِهِ أي جِهَتِهِ ونَاحِيَتِهِ{[47599]} قال :
4305- النَّاسُ جَنْبٌ وَالأَمِيرُ جَنْبُ{[47600]} . . .
4306- أفِي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْنِي مَلاَمةً . . . سُلَيْمَى لَقَدْ كَانَتْ مَلاَمَتُهَا ثِنَى{[47601]}
ثم اتسع فيه فقيل : فَرّط في جَنْبِهِ أي في حَقِّه ، قَالَ :
4307- أَمَا تَتَّقِينَ اللًَّهَ فِي جَنْبِ عَاشِقٍ . . . لَهُ كَبْدٌ حَرَّى عَلَيْكِ تَقَطّعُ{[47602]}
المعنى : أن تقول نفس يا حسرتي يعني لأن تقول{[47603]} : نفس كقوله : { وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] و [ لقمان : 10 ] أي لئَلاَّ تَمِيدَ بكم ، قال المبرد : أي بَادِرُوا وَاحذَرُوا أنْ تَقُولَ نفس{[47604]} ، قال الزجاج : خوفَ أن تصيروا إلى حال تقولون يا حسرتنا يا ندامتنا{[47605]} ، والتحسر الاغْتمَام على ما فات{[47606]} ، وأراد : يا حَسرتي على الإضافة لكن العرب تحول ياء الكناية ألفاً في الاستغاثة فتقول : ياَ وَيْلَتَا ، ويَا نَدَامَتَا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة{[47607]} كقراءة أبي جعفر المتقدمة ، وقيل : معنى قوله : { ياحسرتا } أي يا أيَّتُهَا الحَسْرَةُ هذا وَقْتُكِ{[47608]} . { على ما فرطت في جنب الله } . قال الحسن : قَصَّرْتُ في طاعة الله ، وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير في حق الله ، وقيل : قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله ، والعرب تسمي الجنب{[47609]} جانبا .
ثم قال : { وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين } المستهزئين بدين الله ، قال قتادة ولم يكفه أن ضيع{[47610]} طاعة الله حتى جعل السخر{[47611]} بأهل طاعته ، ومحل «وَإنْ كُنْتُ » النصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخْرَتِي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.