{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ } كراهة أن تقول .
فإن قلت : لم نكرت ؟ قلت : لأنّ المراد بها بعض الأنفس ، وهي نفس الكافر . ويجوز أن يراد : نفس متميزة من الأنفس : إما بلجاج في الكفر شديد . أو بعذاب عظيم . ويجوز أن يراد التكثير ، كما قال الأعشى :
وَرَبَّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بِحَوِّهِ *** أَتَانِي كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرَّأْسَ مُغْضَبَا
وهو يريد : أفواجاً من الكرام ينصرونه ، لا كريماً واحداً . ونظيره : ربّ بلد قطعت ، ورب بطل قارعت . وقد اختلس الطعنة ولا يقصد إلاّ التكثير . وقرىء : «يا حسرتي » على الأصل . ويا حسرتاي ، على الجمع بين العوض والمعوّض منه . والجنب : الجانب ، يقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته ، وفلان لين الجنب والجانب ، ثم قالوا : فرّط في جنبه وفي جانبه ، يريدون في حقه . قال سابق البربري :
أَمَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي جَنْبِ وَامِقٍ *** لَهُ كَبِدٌ حَرَّى عَلَيْكَ تَقَطَّعُ
وهذا من باب الكناية ؛ لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه ، فقد أثبته فيه . ألا ترى إلى قوله :
إنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَة وَالنَّدَى *** فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ
ومنه قول الناس : لمكانك فعلت كذا ، يريدون : لأجلك . وفي الحديث : " من الشرك الخفيّ أن يصلي الرجل لمكان الرجل " وكذلك : فعلت هذا من جهتك . فمن حيث لم يبق فرق فيما يرجع إلى أداء الغرض بين ذكر المكان وتركه ، قيل : { فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله } على معنى : فرطتُ في ذات الله .
فإن قلت : فمرجع كلامك إلى أن ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطى من حسن الكناية وبلاغتها ، فكأنه قيل : فرطت في الله . فما معنى فرطت في الله ؟ قلت : لا بدّ من تقدير مضاف محذوف ، سواء ذكر الجنب أو لم يذكر . والمعنى : فرطت في طاعة الله وعبادة الله ، وما أشبه ذلك . وفي حرف عبد الله وحفصة : في ذكر الله . « وما » في« ما فرطت » مصدرية مثلها في { بِمَا رَحُبَتْ } [ التوبة : 25 ] ، [ التوبة : 118 ] ، { وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين } قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها ، ومحل { وَإِن كُنتُ } على النصب على الحال ، كأنه قال : فرطت وأنا ساخر ، أي : فرطت في حال سخريتي . وروى : أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق .
وأتاه إبليس فقال له : تمتع من الدنيا ثم تب ، فأطاعه ، وكان له مال فأنفقه في الفجور فأتاه ملك الموت في ألذّ ما كان فقال : يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله ، ذهب عمري في طاعة الشيطان ، وأسخطت ربي فندم حين لم ينفعه الندم ، فأنزل الله خبره في القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.