مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

{ أَن تَقُولَ } لئلا تقول { نَفْسٌ } إنما نكرت لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر ، ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ، ويجوز أن يراد التكثير { ياحسرتى } الألف بدل من ياء المتكلم ، وقرىء : { يا حسرتي } على الأصل و { يا حسرتاي } على الجمع بين العوض والمعوض منه { على مَا فَرَّطَتُ } قصرت و«ما » مصدرية مثلها في { بِمَا رَحُبَتْ } [ التوبة : 25 ] { فِى جَنبِ الله } في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته ، وفي حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته ، وفلان لين الجانب والجنب ، ثم قالوا : فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه ، وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ، ومنه الحديث :

" من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل " أي لأجله ، وقال الزجاج : معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين } المستهزئين . قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها . ومحل { وَإِن كُنتُ } النصب على الحال كأنه قال : فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي