معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

وقوله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ . . . }

هذا أمر من الله عزّ وجلّ ؛ كقولك : عليكم أنفسكم . والعرب تأمر من الصفات بعليك ، وعندك ، ودونك ، وإليك . يقولون : إليك إليك ، يريدون : تأخّر . كما تقول : وراءك وراءك . فهذه الحروف كثيرة . وزعم الكسائي أنه سمع : بينكما البعير فخذاه . فأجاز ذلك في كلّ الصفات التي قد تُفرد ، ولم يُجِزه في اللام ولا في الباء ولا في الكاف . وسمع بعض العرب تقول : كما أنت زيدا ، ومكانَك زيدا . قال الفراء : وسمعت [ بعض ] بني سُلَيم يقول في كلامه : كما أَنتَنِي ، ومكانَكَنِي ، يريد انتظرني في مكانك .

ولا تقدّمنّ ما نصبته هذه الحروفُ قبلها ، لأنها أسماء . والاسم لا يَنصب شيئا قبله ، تقول : ضرباً زيداً ، ولا تقول : زيداً ضرباً . فإن قلته ، نصبت زيداً بفعل مضمر قبله كذلك . قال الشاعر :

*** يأيها المائحُ دلوي دُونَكَا ***

إن شئت نصبت ( الدلو ) بمضمر قبله ، وإن شئت جعلتها رفعا ، تريد : هذه دلوي فدونكا .

{ لاَ يَضُرُّكُمْ } رفع ، ولو جزمت كان صوابا ؛ كما قال ( فاضرِبْ لهم طَرِيقا في البحر يَبَسا لا تخَفْ ، ولا تخافُ ) جائزان . ** 106

وقوله : { شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ . . . }

يقول : شاهدان أو وصيّان ، وقد اختُلِف فيه . ورفع الاثنين بالشهادة ، أي ليشهدكم اثنان من المسلمين .

{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } من غير دينكم . هذا في السَّفَر ، وله حديث طويل . إلا أنّ المعنى في قوله { مِن الذِين استَحَقَّ عليهِم الأَوْلَيانِ } فمن قال : الأَوليان أراد ولي الموروث ؛ يقومان مَقَام النصرانيَّين إذا اتُّهِما أنهما اختانا ، فيحلفان بعد ما حلف النصرانيَّان وظُهِر على خيانتهما ، فهذا وجهٌ قد قرأَ به علي ، وذُكر عن أبيّ بن كعب . حدّثنا الفراء ، قال حدّثني قيس بن الربيع ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قال ( الأَوَّلِين ) يجعله نعتا للذين . وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مَقامهما . وقوله ( استحقَّ عليهِم ) معناه : فيهم ، كما قال { واتَّبعوا ما تَتْلُو الشياطِينُ على مُلْكِ سُلَيمان } أي في مُلْك ، وكقوله { ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوع النخل } جاء التفسير : على جذوع النخل . وقرأ الحسن ( الأوّلان ) يريد : استحقَّا بما حقَّ عليهما من ظهور خيانتهما . وقرأ عبد الله بن مسعود ( الأَوّلِين ) كقول ابن عباس . وقد يكون ( الأَوليان ) ها هنا النصرانيَّين - والله أعلم - فيرفعهما ب ( استَحَقَّ ) ، ويجعلهما الأوْلَيَيْن باليمين ؛ لأن اليمين كانت عليهما ، وكانت البيِّنة على الطالب ؛ فقيل الأوليان بموضع اليمين . وهو على معنى قول الحسن .

وقوله أَن{ تُرَدَّ أَيْمان } غيرِهم على أيمانهم فتبطلها .