الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

قوله تعالى : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم . . . } [ المائدة :105 ] .

قال أبو ثعلبة الخُشَنِيُّ : سَأَلتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ هذه الآيةِ ، فَقَالَ : ( ائتمروا بِالمَعْرُوفِ ، وانهوا عَنِ المُنْكَرِ ، فَإذَا رَأَيْتَ دُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَشُحًّا مُطَاعاً ، وإعْجَابَ كُلِّ ذِيَ رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ ، وذَر عَوَامَّهُمْ فَإنَّ وَرَاءَكِمُ أَيَّاماً ، أَجْرُ العَامِلِ فِيهَا كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ) ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي لاَ نَظَرَ لأحَدٍ مَعهُ ، لأنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِلصَّلاَحِ ، صادرٌ عن النبيِّ عليه السلام ، وجملةُ ما عليه أهْلُ العِلْمِ في هذا أنَّ الأمر بالمعروفِ متعيِّن ، متى رُجِيَ القبولُ ، أو رُجِيَ ردُّ الظالم ، ولو بعنف ما لم يَخَفِ الآمرُ ضرراً يلحقه في خاصَّته ، أو فتنةً يُدْخِلُها على المُسْلمين ، إما بشَقِّ عَصَا ، وإما بضَرَرٍ يلحق طائفةً من الناس ، فإذا خيف هذا ، ف { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } : محكَمٌ واجبٌ أنْ يوقَفَ عنده .

وقوله سبحانه : { إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، هذا تذكيرٌ بالحَشْر وما بعده ، وذلك مُسَلٍّ عن أمور الدنيا ، مكروهِهَا ومحبوبِها ، رُوِيَ عن بعض الصالحين ، أنه قال : ما مِنْ يَوْمٍ إلاَّ ويجيءُ الشيطانُ ، فيقول : ما تأكلُ ، وما تلبسُ ، وأين تَسْكُنُ ؟ فأقول له : آكُلُ المَوْتَ ، وألْبَسُ الكَفَنَ ، وأسْكُنُ القَبْرَ .

قال( ع ) : فَمَنْ فكَّر في مرجعه إلى اللَّه سبحانه ، فهذا حاله ، قلْتُ : وخرَّج البغويُّ في «المسنَدِ المنتَخَبِ » ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّكُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالاً تَعْزُبُ عَنْكُمْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَتُوشِكُ العَوَازِبُ أَنْ تَؤوبَ إلى أَهْلِهَا ، فَمَسْرُورٌ بِهَا ، وَمَكْظُومٌ ) انتهى من «الكوكب الدري » ، واللَّه المستعان .